للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أفسد بالتّدبير نصيب الآخرين فلكلّ واحد منهما أن يدبّر نصيبه إلى آخره.

فكان كلّ واحد منهما مختارًا بين ستّة أشياء على ما ذكر في الكتاب (١) وذكر الإمام قاضي خان -رحمه الله- بأنّه ثبت لكلّ واحد منهما خمسة خيارات (٢)، ولم يذكر قوله أو يتركه على حاله، ثم قال وقولنا له خمسة خيارات أي يصحّ منه هذه التصرفات، أما لا يؤذن بالإعتاق والاستسعاء؛ لأن فيه إفسادَ نصيب المدبّر، لأنّ المدبّر كان متمكّنًا من استيفاء نصيبه على ملكه إلى وقت الموت، وبعد الإعتاق والاستسعاء لا يتمكّن (٣)، لأن نصيبه باق على ملكه أي لأن نصيب كلّ واحد منهما (٤) باق على ملك كلّ واحد منهما بإفساد شريكه، أي بإفساد شريك كلّ واحد منهما، وهو المدبّر حيث سدّ المدبّر على كلّ واحد منهما طرق الانتفاع بذلك العبد بيعًا وهبة.

قوله: على ما مرّ إشارة إلى قوله لأنّ المعتق جان عليه بإفساد نصيبه حيث امتنع عليه البيع والهبة إلى آخره ذكره في المسألة الأولى من هذا الفصل. (٥)

سببا ضمان تدبير المدبّر وإعتاق هذا المعتق أي تدبير المدبّر سبب الضّمان وكذلك إعتاق المعتق أيضًا سبب الضّمان وكلّ واحد منهما متعدّ في حق السّاكت؛ إلا أن للسّاكت ولاية تضمين المدبّر دون المعتق للأصل الذي ذكر في الكتاب وهو أنّ الأصل في الضّمانات أي يكون الضّمان ضمان معاوضة (٦)، وهذا إنّما يتحقق في تضمين المدبّر لا في تضمين المعتق؛ وإنّما قلنا أنّ الأصل في الضّمان ضمان معاوضة، ألا ترى أنّ الملك للغاصب يثبت بطريق المعاوضة (٧)؟ على أصلنا وإن كان هو في ابتدائه عدوانًا محضًا جريًا على الأصل المعهود وهو أن يكون الضّمان ضمان معاوضة.


(١) الأشياء الستة ذكرها صاحب الهداية بقوله: "فلكل واحد منهما أن يدبر نصيبه أو يعتق أو يكاتب أو يضمن المدبر أو يستسعي العبد أو يتركه على حاله ". انظر: الهداية (٢/ ٣٠٤).
(٢) له خمسة خيارات إن كان موسراً إن شاء أعتق، وإن شاء ضمن، وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى، وإن شاء دبر. انظر: البناية (٦/ ٣٦).
(٣) " يصحّ منه هذه التصرفات، أما لا يؤذن بالإعتاق والاستسعاء؛ لأن فيه إفساد نصيب المدبّر، لأنّ المدبّر كان متمكّنًا من استيفاء نصيبه على ملكه إلى وقت الموت وبعد الإعتاق والاستسعاء لا يتمكّن " ما بين القوسين بنصه نقلا عن قاضي خان في شرح الجامع الصغير. انظر: البحر الرائق (٤/ ٢٦٠).
(٤) أي الشريكين الآخرين المعتق والساكت. انظر: البناية (٦/ ٥١).
(٥) ذكره: أي صاحب الهداية. في المسألة الأولى وهي: " وإذا كان العبد بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه عتق فإن كان موسرا فشريكه بالخيار … ". انظر: الهداية (٢/ ٣٠١).
(٦) جاء في البناية: ضمان المعاوضة هو الأصل في الضمان، لأن الضمان يقتضي أن يصير المضمون ملكًا للضامن ولا يكون ذلك إلا في ضمان المعاوضة لا في ضمان الجناية، وإتلاف وضمان المدبر ضمان معاوضة. انظر: البناية (٦/ ٥١).
(٧) المعاوضة: من العِوَضُ: وهو البَدَلُ. انظر: تاج العروس (١٨/ ٤٤٩)، (عوض).
العوض: بكسر ففتح من عاض جمع أعواض، الخلف والبدل … الشيء الذي يدفع على جهة المثامنة =بعقد، وهو عام في النقود وغيرها، فالثمن في البيع بدل عن السلعة، والسلعة بدل على الثمن. انظر: معجم لغة الفقهاء (١/ ١٠٥ - ٣٢٤).