للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والدّليل أيضاً على أنّ ضمان الغصب ضمان معاوضة أنّه (إذا غصب عبدًا وأبق (١) العبد من يد الغاصب وقضى القاضي على الغاصب بالقيمة ثم عاد العبد فللغاصب أن يبيع العبد مرابحة على القيمة التي أدّاها إلى مالكه والمرابحة (٢) مخصوصة بالمعاوضات المحضة) (٣) والمسألة في فتاوى قاضي خان (٤).

وكذلك الأصل في ضمان المدبّر هو ضمان معاوضة، ألا ترى أن من غصب مدبّرًا فاكتسب عند الغاصب كسبًا ثم أبق فلم يرجع من إباقه حتّى مات كان ذلك الكسب للغاصب، والمسألة في آخر باب النهي من أصول الفقه لشمس الأئمة السرخسي -رحمه الله-، وإنّما يكون له الكسب إذا كان المدبّر ملكًا للغاصب عند أداء الضّمان، فلما اعتبر ضمان المعاوضة في ضمان المدبّر مع أنّ المدبّر غير قابل للنقل لأجزاء الأصل المعهود وهو ضمان المعاوضة، فلأن نقول: ضمان ضمان المدبّر ههنا وهو تدبيره قابل للنقل ضمان معاوضة أولى.

[٤٠٤/ أ] وذكر الإمام الكشاني (٥) -رحمه الله- في أنّ ضمان الغصب ضمان معاوضة مسألة المأذون (٦) وهي أن إقرار المأذون يصحّ مطلقًا وإن احتمل إقراره جهة الغصب وكذلك لو صرّح في إقراره بالغصب بأن قال: غصبت من فلان كذا يصحّ أيضًا مع أنّ الإقرار (٧) بضمان الإتلاف مؤخّر إلى ما بعد العتق، وإذا كان الأصل في الضمانات ضمان معاوضة في الغصب/ وهو عدوانٌ، ففي الإعتاق وهو مشروع أولى، فلا يترك هذا الأصل إلى ضمان الجناية إلا لضرورة العجز، وحين دبر الأوّل كان نصيب السّاكت محتملاً للتّمليك فإن فقد (٨) سبب الضّمان مُوجبٌ للملك (٩) في المضمون، ثم بعد التّدبير لا يحتمل النقل إلى ملك غير المدبّر فلمّا أعتق الثّاني لم ينعقد ذلك للضّمان بشرط ملك المضمون؛ لأنّ نصيب السّاكت يوم أعتق لم يكن محلاً له، فلو لزم على المعتق ضمان للسّاكت لوجب من غير ملك المضمون فيصير خالص ضمان العدوان وذلك باطل إلا عند الضّرورة ولا ضرورة ههنا لإمكان تضمين المدبّر؛ لأنّه عند ذلك أي عند الإعتاق وقيمة المدبّر ثلثا قيمته قِنًا كذا ذكره القاضي الإمام علي السعدي (١٠)؛ لأنّ منفعة الوطئ والسّعاية باقية ومنفعة البيع زائلة وقيمة أم الولد ثلث قيمة القن.


(١) أبق: الإِباقُ: هرَبُ الْعَبِيدِ وذَهابهم مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا كدِّ عَمَلٍ. انظر: لسان العرب (١٠/ ٣)، (أبق).
(٢) المرابحةُ في اللغة: من ربح يربحُ ربحاً، وأربحتُهُ على سلعتِهِ، أي: أعطيتهُ ربحاً.
انظر: لسان العرب: (٢/ ٥١٨ - ٥١٩)، (ربح).
وعند الفقهاء: بيع بالثًّمنِ الأول مع زيادةِ ربح. انظر: بدائع الصنائع (٥/ ٣٢٧).
(٣) المحضة: أَي الخالصَةُ. انظر: تاج العروس (١٩/ ٤٤).
(٤) انظر: فتاوى قاضي خان (٢/ ١٣٥).
(٥) الكشاني: بضم الكاف والشين المعجمة وفى آخرها النون هذه النسبة إلى كشانية بلدة من بلاد السغد بنواحي سمرقند نسبة الإمام مسعود بن الحسن بن الحسين بن محمد بن إبراهيم الكشاني أبو سعد ركن الدين الخطيب روى عن الشيخ سيف الدين أبي محمد عبد الله ابن علي الكندي والخطيب أبي نصر محمد بن الحسن الباهلي وشمس الأئمة السرخسي روى عنه الإمام الصدر الشهيد حسام الدين أبو المعالي عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازة والشيخ ظهير الدين أبو المحاسن الحسن بن علي بن عبد العزيز بن عبد الرزاق بن أبي نصر المرغيناني، مات سنة عشرين وخمس مائة له ثلاث وسبعون سنة.
انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ١٦٨، ٣٤١)، معجم المؤلفين: (١٢/ ٢٢٦).
(٦) المَأذُونُ: عَبْدٌ أَذنَ لَهُ سَيِّده فِي التِّجارَةِ. انظر: تاج العروس (٣٤/ ١٧٠)، (أذن).
(٧) الإقرارُ: هو إثبات الشيء باللسان أو بالقلب أو بهما أو بقاء الأمر على حالهِ.
انظر: الكُليَّات ص (١٦٠).
(٨) " فان فقد": هكذا في (ب) وفي (أ) فانفقد، والصواب ما في (ب).
(٩) للملك: في (ب) الملك. وكلاهما صواب.
(١٠) علي السعدي (١٥٤ - ٢٤٤ هـ) علي بن حجر بن اياس السعدي، المروزي محدث، حافظ، رحال، له ادب وشعر، من اهل خراسان، قدم، دمشق وسمع بها، وتوفي في منتصف جمادى الاولى، وقد أكمل التسعين، من آثاره: احكام القرآن، وفوائد في الحديث. انظر: معجم المؤلفين (٧/ ٥٧).