للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: والوَلاءُ بَين المُعتِقِ والمُدبِّرِ أثلاثًا أي بين عصبة المدبّر والمعتق؛ لأنّه إنّما يعتق إذا مات المدبّر على ما ذكرنا من رواية قاضي خان.

قوله: لأنَّ العَبدَ عَتَقَ على مِلكِهِما على هذا المِقدَارِ، فإنّ المدبّر ملك ثلثيه أحد الثلثين ما ملكه من نصيب السّاكت بأداء الضّمان والثّلث الثّاني نصيبه، فإن قيل أداء الضّمان لو كان مثبتًا ملك نصيب الآخر فالمعتق أيضًا أدى الضّمان إلى المدبّر ثلث قيمته مدبّرًا، فينبغي أن يثبت له ثلثا الولاء أيضًا بهذا الطّريق.

قلنا: إن ضمان العتق إلى المدبّر هو ضمان إفساد وإتلاف لا ضمان معاوضة وتملك لما ذكرنا أن المدبّر غير قابل للنقل من ملك إلى ملك فلم يملك المعتق شيئًا بمقابلة أدائه الضّمان، وأمّا المدبّر فقد ملك نصيب السّاكت عند أداء الضّمان مستندًا إلى وقت التّدبير؛ لأنّه كان في ذلك الوقت قابلاً للنّقل، فصار كأنّه دبّر ثلثيه من الابتداء بطريق الاستناد فثبت له ثلثا الولاء، وللمعتق الثلث لما أنّ نصيب السّاكت بعدما انتقل إلى المدبّر لا ينتقل إلى المعتق، وكذلك نصيب المدبّر أيضًا بعدما دبّره لا ينتقل إلى العتق وإن أدّى المعتق الضّمان إلى المدبّر لما أنّ ذلك الضّمان ضمان إفساد لا ضمان تملك. إلى هذا أشار الإمام التمرتاشي -رحمه الله- (١).

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّدْبِيرُ "مُتَجَزِّيًا" (٢) إلى آخره يعني ما ذكرنا إلى ههنا كلّه قول أبي حنيفة -رحمه الله-، وأمّا عندهما فكُلُّهُ مُدَبَّرًا للمُدَبِّر؛ لأنّ التّدبير جزء من الحرية، فلا يتبعض عندهما، وَيَضمَنُ ثُلُثَي قِيمَتِهِ لِشَرِيكَيهِ مُوسِرًا كان أو مُعسِرًا؛ لأنّ ضمان التّدبير ضمان تملّك؛ لأنّه يملك كسبه وخدمته فلا يختلف باليسار والإعسار كضمان الاستيلاد كذا ذكره الإمام التمرتاشي -رحمه الله- (٣). بخلاف الإعتاق؛ لأنّه ضمان جناية (٤)، يعني لما كان ضمان جناية اختلف بين اليسار والإعسار، بخلاف ضمان التّمليك، فإن قلت من أيّ وجه ثبت أن ضمان الجناية يختلف باليسار والإعسار فكم من ضمان جناية "لم يختلف" (٥) بهما كما لو كسر جرّة (٦) إنسان مثلاً أو قارورته (٧) أو أتلف ملكًا من أملاكه حيث يجب عليه ضمانه، وهو ضمان جناية، سواء كان موسرًا أو معسرًا.


(١) انظر: تبيين الحقائق (٥/ ٦٣).
(٢) "مُتَجزِّئاً " قلب الهمزة ياءً كذا في (أ) و (ب).
(٣) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٢/ ١١٤).
(٤) "جناية" هكذا في (ب) وهي سقط من (أ).
(٥) "لم يختلف" هكذا في (ب) وهي ساقطة من (أ).
(٦) الجَرَّةُ: إِناء من خَزفٍ كالفخَّار، وجَمعُها جَرٌّ وجِرَارٌ. انظر: لسان العرب (٤/ ١٣١)، (جر).
(٧) الْقَارُورَةُ: واحدة (الْقَوَارِيرِ) من الزُّجَاجِ. انظر: مختار الصحاح (١/ ٢٥٠)، (قرر).