للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٤٠٥/ أ] وإذا نفذ إقراره عليه لم يكن للمنكر أن يستخدمها، كما لو استولدها المقرّ وخرج نصيب المقر من أن يكون منتفعًا به ولا يمكنه تضمين المقرّ؛ لأن المُقِرّ ما أقر على نفسه بالاستيلاد، وسبب الضمان بقاء مال المنكر محتبساً عند الجارية/ ومنفعة الاحتباس تعود إليها، فكان له ولاية الاستسعاء، وإذا أدّت نصف القيمة عتق نصفها فيعتق كلّها؛ لأنّه لا يتجزى عندهما وليس للمقرّ أن يستسعى الجارية؛ لأنّه يدعي التملّك على الشّريك، أي (١) أنّ الشريك يملكها بالاستيلاد، ويتبرأ عن السعاية فلم يكن الاستسعاء لتبرئه عنه، وليس له ولاية الاستخدام أيضًا، لأنها أمّ ولد الغير في زعمه، ولأبي حنيفة -رحمه الله- تيقنًا بولاية الاستخدام للمنكر؛ لأن المقرّ إن كان صادقاً كانت الجارية أمّ ولد للمنكر فكان للمنكر كلّ الخدمة، وإن كان كاذباً كانت أمة بينهما، وإذا بقيت منتفعًا بها في حق المنكر لم يكن للمنكر ولاية الاستسعاء، بخلاف مسألة الشّهادة؛ لأنّ ثَمَّةَ لو كان الشّاهد صادقًا لا يكون نصيب المنكر منتفعًا به في حقّه فلم يتيقن بقيام المنفعة، فإذا تعذّر الملك ثَمَّةَ يخرج إلى السّعاية كذا ذكره الإمام قاضي خان -رحمه الله- (٢) انقلب إقرار المقر عليه أي على المقر يجعل كأنه أعتق أي كأن المشتري أعتق.

كأم ولد النّصراني إذا أسلمت فإنها تخرج إلى العتق بالسّعاية؛ لأنها لما أسلمت لم يمكن إبقاؤها تحت النّصراني لإسلامها ولا يمكن أن يعتق مجاناً لملك النّصراني.

قوله: ولا خدمة للشّريك الشّاهد ولا استسعاء إلى قوله بدعوى الاستيلاء والضّمان لف ونشر أي يتبرى بدعوى الاستيلاء عن الخدمة ويتبرى بدعوى الضمان على صاحبه المنكر عن السّعاية، والإقرار بأمومية الولد هذا جواب عن قولهما وهو أن صاحبه إذا أنكر انقلب على المقرّ.

قلنا الإقرار بأمومية الولد يتضمّن الإقرار بثبوت النّسب (٣) وهو أي ثبوت النّسب لا يرتد بالردّ، حتّى إنّ الرجل إذا أقرّ بنسب صغير لرجل وكذّبه المقر له ثم أقر المقرّ بنسب الصّغير لنفسه لا يصحّ لما أنّ النّسب لا يرتد بالرّد وإن كانت أم ولد بينهما (٤) بأن ولدت جارية بين رجلين ولدًا فادّعياه وعلى هذا الأصل أي على أصل أنّ أم الولد لا تتقوم عند أبي حنيفة -رحمه الله-، وعندهما تتقوّم تُبتَنَى عِدةٌ من المسائل منها:


(١) " أي " سقط من (ب).
(٢) انظر: بدائع الصنائع (٤/ ٩٧).
(٣) النًّسَبُ: القرابةُ. انظر: لسان العرب (١/ ٨٨٩)، (نسب).
(٤) " وإن كانت أم ولد بينهما " هذه بداية مسألة ذكرها المصنف، وهذا نصها بتمامها: "وإن كانت أم ولد بينهما فأعتقها أحدهما وهو موسر فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة -رحمه الله- وقالا يضمن نصف قيمتها" لأن مالية أم الولد غير متقومة عنده ومتقومة عندهما وعلى هذا الأصل تبتني عدة من المسائل أوردناها في كفاية المنتهى.
وجهُ قولهما: أنها منتفع بها وطأ وإجارة واستخداما وهذا هو دلالة التقوم وبامتناع بيعها لا يسقط تقومها كما في المدبر ألا ترى أن ولد أم النصراني إذا أسلمت عليها السعاية وهذا آية التقوم غير أن قيمتها ثلث قيمتها قنة على ما قالوا لفوات منفعة البيع السعاية بعد الموت بخلاف المدبر لأن الفائت منفعة البيع. أما السعاية والاستخدام فباقيان ولأبي حنيفة -رحمه الله- أن التقوم بالإحراز وهي محرزة للنسب لا للتقوم والإحراز للتقوم تابع ولهذا لا تسعى لغريم ولا لوارث بخلاف المدبر وهذا لأن السبب فيها متحقق في الحال وهو الجزئية الثابتة بواسطة الولد على ما عرف في حرمة المصاهرة إلا أنه لم يظهر عمله في حق الملك ضرورة الانتفاع فعمل السبب في إسقاط التقوم وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت.
وامتناع البيع فيه لتحقيق مقصوده فافترقا وفي أم ولد النصراني قضينا بتكاتبها عليه دفعا للضرر عن الجانبين وبدل الكتابة لا يفتقر وجوبه إلى التقوم.
انظر: الهداية (٢/ ٣٠٦).