للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: إلا أن الرواية بالألف واللام (١) قد ثبتت في النسخ، فوجهه أن يحمل الألف واللام على تحسين النظم من غير اعتبار تعريف الجنس وتعريف العهد فكان مبقى على معنى التنكير نحو قوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: ٥]، وقوله: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا} [يس: ٣٣] حيث وصفهما بالجملة الفعلية لبقائهما على معنى التنكير فكان من قبيل قول القائل: ولقد أمر على اللئيم يسبني (٢)

ثُمَّ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاةِ إلا رِجْلَيْهِ

- وقوله: (ثم يتوضأ وضوءه للصلاة)، وهذا احتراز عما روى الحسن بن زياد (٣) عن أبي حنيفة رحمهما الله: أن الجنب يتوضأ، ولا يمسح رأسه؛ لأنه لا فائدة في المسح لوجود إسالة الماء من بعد، وذلك بعدم معنى المسح بخلاف سائر الأعضاء؛ لأن التسييل هو الموجود فلم يكن التسييل من بعده مُعدِمًا له، ولأن وظيفة الرأس نظير وظيفة الرجل وجوبًا وسقوطًا كما في الوضوء والتيمم ثم سقطت وظيفة الرجل في الوضوء عن الجنابة فكذا تسقط وظيفة الرأس، والصحيح ظاهر الرواية؛ فإن تقديم الوضوء على الإفاضة على جميع البدن يقع سنةً لما روي أن النبي -عليه السلام- توضأ وضوءه للصلاة إلا رجليه، والوضوء للصلاة يشمل الغسل والمسح جميعًا ولم يسقط وظيفة الرجل بل تأخرت؛ لأن التقديم [لا يفيد] (٤) لما ذكر في المتن، والمسح يفيد، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» (٥).

ومن العلماء من قال: البداية في الوضوء واجبة.


(١) يقصد «النجاسة».
(٢) هذا قولٌ لبعض بني سلول، وقيل: لسمر بن عمرو الحنفي من بني حنيفة، من شعراء الجاهلية
ولقد أمرّ على اللئيم يسبني … فمضيت ثمت قلت لا يغنيني
غضبان ممتلِيًا عليِّ إجابهُ … إني وربَّك سُخْطُهُ يُرضِيني
انظر: البصائروالذخائر (٨/ ١١١) لأبي حيان التوحيدي، علي بن محمد بن العباس (ت نحو ٤٠٠ هـ)، تحقيق: د. وداد القاضي، الناشر: دار صادر- بيروت الطبعة الأولى ١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م.
وانظر: تراجم شعراء الموسوعة الشعرية (١/ ١٤٦٤).
(٣) الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي، صاحب أبي حنيفة كان إمامًا بالفقه، وقد روى له الحاكم في مستدركه وأبو عوانة في مستخرجه، (ت ٢٠٤ هـ). انظر: الفوائد البهية (ص ٦٠) وتراجم الأخبار (١/ ٣٠٨) والجرح والتعديل (٣/ ١٥) وسير أعلام النبلاء (٩/ ٥٤٣) رقم (٢١٢).
(٤) في (ب): «لا يفسد».
(٥) مبسوط شيخ الإسلام (١/ ٢٣) والمبسوط للسرخسي (١/ ٤٤) كليهما في باب الوضوء والغسل.