للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: إنّما يجب المصير إلى اعتبار الأحوال في موضع يتحقّق فيه الاشتباه بصفة الاستمرار، كما فيما نحن فيه، وفي فصل الخنثى لا يتحقّق الاشتباه بصفة الاستمرار؛ لأنّه إذا بلغ مبلغ الرجال أو النساء لابدّ أن يَتَفَلَّكَ (١) لها ثدي أو تنبت لها لِحية وبهذا ارتفع الاشتباه كذا في الفوايد الظهيريّة (٢).

(عتق من الذي اعيد عليه القول) المراد من القول قوله (أحدكما حرّ)

(والذي اعيد عليه ذلك القول هو العبد الثّابت) فسمّى كلّ عبد من هذه الأعبد الثلاثة باسم الفعل الذي اتصف به من كونه خارجًا وداخلًا وثابتًا، ثم المولى يُؤمر بالبيان مادام حيًّا؛ لأنه أوجب العتق المبهم (٣) فيرجع إلى بيانه، ويعتق الذي عينه، فإن بيّن الكلام الأوّل في الخارج عتق الخارج ويؤمر بالبيان في الكلام الثّاني ويعتق الذي عينه، وإن بيّن الكلام الأوّل في الثّابت عتق الثّابت، وبطل ثمّة (٤) الكلام الثّاني؛ لأنّه صار خبرًا فلا يستحقّ به العتق، كما لو جمع بين حرّ وعبد وقال أحدكما حرّ لا يعتق العبد، ولا يقال بأنّ الثّابت لم يُعتَق بالكلام الأوّل؛ لأن الكلام الأوّل صادف المبهم، والثّابت معيّن وإنّما عتق الثّابت ببيانه، فكان البيان بمنزلة إعتاق مستقبل ولو أعتقه عتقًا مستقبلًا بعتق الدّاخل فلماذا لا يعتق الدّاخل؟

قلنا قوله: (أحدكما حرّ) مبهم من وجه دون وجه، مبهم من حيث أنّ المعتق منهما غير معلوم، ومن حيث إنّ المعتق فيهما لا يعدوهما ليس بمبهم، فكان البيان فيه إظهارًا من وجه إنشاءً من وجه، فلو كان إظهارًا كان الكلام الثّاني خبرًا لا يعتق به الدّاخل، وإن كان إنشاءً لا يكون الكلام الثّاني خبراً فيعتق الدّاخل فلا يعتق الدّاخل بالشّك، فإن بَدأ ببيان الكلام الثّاني إن قال: عنيتُ (٥) بالكلام الثّاني الدّاخل عتق الداّخل ويؤمر ببيان الكلام الأوّل، وإن قال: عنيت بالكلام الثّاني الثّابت عتق الثّابت بالكلام الثّاني وتعيّن الخارج للكلام الأوّل فيعتق الخارج أيضًا كذا ذكره الإمام قاضي خان (٦) -رحمه الله-.


(١) يتفلك: يستدير، يقال: فلك ثدي الفتاة فلكا استدار فصار كالفلكة، والفَلْكةُ: أكمة من حجر واحد مستديرة. انظر: المعجم الوسيط (٢/ ٧٠١)، العين (٥/ ٣٧٥).
(٢) انظر: العناية (٤/ ٤٩٤).
(٣) المبهم: يتناول واحد الأشياء لكن غير معين الذات. انظر: الفروق اللغوية للعسكري (١/ ٥٩).
(٤) " ثمَّة " سقط من (ب).
(٥) عنيت: قصدت. يُقَال: عنيتُ فُلانًا أي قَصَدته. ومن تعني بقولك أي من تقصد.
انظر: لسان العرب (١٥/ ١٠٥)، (عنا).
(٦) انظر: العناية (٤/ ٤٩٠).