للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر في الإيضاح (١): وأمّا العتق فلوجود شرط الحنث لما أن كون الألف مستحقّة لا يمنع كونه شرط الحنث كما لو غصب مال إنسان وأداه عتق كذا ههنا.

ويرجع المولى عليه؛ لأنّه لم يسلم له العوض إن أديت يقتصر على المجلس.

ولا يقال: فلما أدّى في المجلس كان المجلس متبدّلًا؛ لأن مجلس الأداء غير مجلس التعليق، كما أن مجلس المناظرة غير مجلس التعليق، وهناك يتبدّل فكذا هنا؛ لأنّا نقول إنّما لزم هذا من ضرورة تحقيق أحد حكمي التّعليق وهو الحنث فكان مستثنى، كما أن ما لزم من ضرورة تحقيق الحكم الآخر للتّعليق (٢) وهو البرّ في قوله: لا يلبس هذا الثّوب وهو لابسه صار قدر اللّبس الذي يوجد عند النزع مستثنى لتحصيل مقصود الحالف.

قوله: (فالقبول بعد الموت) إلى قوله: إلا أنّه لا يجب المال لقيام الرّق (٣) لأن المولى لا يستوجب على عبده دينًا، فإن قيل: فلما لم يجب المال في المدبّر على الألف! ما الفائدة في تعليق التّدبير بالقبول؟

قلنا: هذا تعليق التّدبير بالقبول لا إيجاب المال بالقبول، فكان بمنزلة قوله إن قبلت ألف درهم فأنت مدبّر فقبل كان مدبرًا، فيجوز تعليق التّدبير بالقبول، وإن لم يجب المال كما لو علّق تدبيره بدخول الدّار فدخل كان مدبّرًا وإن لم يجب المال، ثم إنّما لم يجب المال مع قبوله لقيام الرق؛ لأن المدبّر ملك المولى والمولى لا يستوجب على مملوكه دينًا فيسقط المال ضرورة، بخلاف ما لو أعتقه على مال؛ لأن هناك المال يجب على المعتق والمولى يستوجب على معتقه مالًا كذا في الذّخيرة (٤).

ثمّ إنّما افترق وقت القبول، حيث اعتبر القبول في الحال في قوله: أنت مدبّر على ألف؛ لأنّه قابل الألف في التّدبير بحق الحريّة، وحق الحرية متحقّق قبل الموت، واعتبر القبول بعد الموت في قوله: (أنت حرّ بعد موتي على ألف)؛ لأنّه قابل الألف بحقيقة الحريّة، وحقيقة الحريّة بعد الموت، فيعتبر القبول بعد الموت أيضًا.


(١) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ١٤٤).
(٢) " للتعليق " في (ب) للتعيق، والصواب ما في (أ).
(٣) جاء في العناية: " فَالْقَبُولُ بعد الموتِ لإِضَافَةِ الإِيجاب إلى ما بعد الموت فصار كما إذا قال أنت حُرٌّ غَدًا بألفِ درهمٍ، بخلاف ما إذا قال أنت مُدَبَّرٌ على ألفِ درهَمٍ حيث يكون القَبُولُ إليهِ في الحالِ؛ لأنَّ إيجابَ التَّدبيرِ في الحالِ إلَّا أَنَّهُ لا يجبُ المالُ لِقيامِ الرِّقِّ ". انظر: العناية (٥/ ١١ - ١٢).
(٤) الذخيرة: ذخيرة الفتاوى المشهورة بالذخيرة البرهانية، للإمام برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري (ت ٦١٦ هـ)، اختصرها من كتابه المشهور بالمحيط البرهاني، كلاهما مقبول عند العلماء. انظر: كشف الظنون (١/ ٨٢٣). وهو غير مطبوع.