للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٤١٢/ ب] قالوا: لا يعتق في مسألة الكتاب وهي: (قول المولى لعبده أنت حرّ بعد موتي على ألف)، وإن قبل بعد الموت ما لم يعتقه الوارث أو الوصيّ أو القاضي كذا ذكره الإمام التمرتاشي (١) -رحمه الله-، وهذا صحيح أي قولهم أنّه لا يعتق ما لم يعتقه الوارث لما ذكر في الكتاب وهو أن الميّت ليس بأهل للإعتاق/ في ذاك الوقت.

فإن قلت: أهليّة المعلّق لذلك الحكم ليست بشرط حال وجود الشّرط؛ لأن اعتبار الأهلية إنّما كان وقت التّعليق، لا وقت وجود الشّرط.

وفي وقت وجود الشّرط إنّما يعتبر أهليّة المحلّ لذلك الحكم لا أهلية المعلّق، ألا ترى أن الرّجل إذا علّق طلاق امرأته أو عتاق عبده بدخول الدّار ثم جن فوجد الشّرط وهو مجنون يقع الطّلاق والعتاق؟ وكذلك يثبت العتق في مسألة المدبّر على ما يجيء بمجرّد الموت من غير وقف إلى إعتاق الوارث، علم بهذا أنّ الأهليّة ليست بمشروطة وقت وجود الشّرط.

قلت: الفرق بين مسألتنا هذه وبين تلك المسائل بوجهين:

أحدهما: أن اختلال الأهليّة في تلك المسائل في حق المعلق لا غير وفي مسألتنا الاختلال في موضعين في حق المعلّق، وفي حق المحلّ فإنّ المحلّ وهو العبد، صار للوارث فلم يمكن (٢) تنفيذ ما علقه الميّت من الإعتاق في ملك الغير، أمّا في مسألة الجنون فإن ملك المعلق لم (٣) يتغيّر فيراعي صفّة المعلق في وقت التّعليق؛ لأن ذاك وقت تصرّفه، وصفة المحلّ في وقت وجود الشّرط؛ لأن ذاك وقت اتصال الحكم به، فلما لم يتغيّر الملك فيه وقت وجود الشّرط وقع الطّلاق والعتاق، لما أن التعليق وقع صحيحًا وقت التّعليق، وأمّا في مسألة المدبّر فلما لم يتعلق عتقه بشيء آخر بعد العتق كان تصرف الميّت بالإعتاق نافذاً في ثلثه بغير توقّف إذا لم يكن له مال غيره وسعى في الثلثين.

وأمّا في مسألتنا تعلّق عتقه بعد الموت بقبوله الألف، فقبل أن يقبله دخل في ملك الغير فلذلك لم يصح عتقه من غير إعتاق ذلك الغير.

والثّاني: هو ما ذكره الإمام قاضي خان والتمرتاشي -رحمهما الله- (٤) وإنّما لم يعتق ههنا (٥) بدون إعتاق الوارث؛ لأنّ العتق تأخر عن الموت إلى أن يقبل، والعتق معنى تأخر عن الموت لا يثبت إلا بإثبات واحد من هؤلاء من الوارث والوصيّ والقاضي؛ لأنّه صار بمنزلة الوصيّة بالإعتاق، وذلك لأنّه لما كان لا يعتق إلا بالقبول لم يكن العتق معلّقًا بمطلق الموت، وفي مثل هذا لا يعتق إلا بإعتاق واحد من هؤلاء كما لو قال: أنت حرّ بعد موتي بشهر، بخلاف المدبّر؛ لأنّ عِتقه تعلق بنفس الموت فلا يشترط إعتاق أحد هؤلاء، (فقبل العبد فعتق ثمّ مات) أي العبد أو المولى على ما يجيء في الكتاب في آخر هذه المسألة.


(١) انظر: العناية (٥/ ١٣).
(٢) " يمكن " هكذا في (ب)، وفي (أ) يكن، والصواب ما في (ب).
(٣) " لم " في (ب) لا، والصواب ما في (أ).
(٤) انظر: البحر الرائق (٤/ ٢٨١).
(٥) " ههنا " هكذا في (ب) وفي (أ) هناك، والصواب ما في (ب).