للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ -رحِمَهُ الله- خُرُوجُ الْمَنِيِّ كَيْفَمَا كَانَ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِقَوْلِهِ -عَلَيْه الصَّلاة والسَّلام-: «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» " أَيْ الْغُسْلُ مِنْ الْمَنِيِّ، وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّطْهِيرِ يَتَنَاوَلُ الْجُنُبَ، وَالْجَنَابَةُ فِي اللُّغَةِ خُرُوجُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، يُقَالُ أَجْنَبَ الرَّجُلُ إذَا قَضَى شَهْوَتَهُ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى خُرُوجِ الْمَنِيِّ عَنْ شَهْوَةٍ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ انْفِصَالُهُ عَنْ مَكَانِهِ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ -رحِمَهُ الله- ظُهُورُهُ أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْخُرُوجِ بِالْمُزَايَلَةِ إذْ الْغُسْلُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا

- قوله: (وعند الشافعي: خروج المني كيف ما كان) (١) حتى أن المني إذا خرج منه لا بسبب الشهوة لكن بعارض آخر بأن حمل حملاً ثقيلاً أو سقط من السطح فخرج منه المني يصير جنبًا، واحُتج في ذلك بما روي عن النبي -عليه السلام- أنه قال: «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» (٢). فحجتنا في ذلك أن الله تعالى علق وجوب الاغتسال بالجناية لا بخروج المني بقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦]. وإنما يقال: أجنب الرجل في اللغة (٣) إذا قضى [الرجل] (٤) شهوته من امرأته إلا أن النبي -عليه السلام- لما أوجب عن الاحتلام سقط اعتبار [المرأة] (٥) وبقي قدر ما يكون في الاحتلام من قضاء الشهوة، ويدل عليه ما رُوي في بعض ألفاظ أم سليم -رضي الله عنها-: أنها لما سألت النبي -عليه السلام- عن المرأة ترى في منامها مثل ما يرى الرجل؟ فقال: «أتَجِدُ لذَلِكَ لذَّة؟». فقالت: نعم. قال: «فَلْتَغْتَسِل» (٦). وإنما يكون من الرجل خروج المني إذا كان عن شهوة. ولأنه إذا خرج عن غير شهوة لا يعلم أنه مني أو رطوبة.


(١) انظر: في مذهب الأحناف: مختصر الطحاوي ص (١٩) وتحفة الفقهاء (١/ ٢٦) وشرح فتح القدير (١/ ٦٠ - ٦٣) وبدائع الصنائع (١/ ٣٧).
ومذهب الشافعية: أن نفس خروج المني هو الموجب للغسل، سواء خرج بلذة أو بغير لذة. انظر: الحاوي الكبير (١/ ٢٦٠)، والبسيط في المذهب (١/ ٣٤١) وروضة الطالبين (١/ ٨٣، ٨٤) والمجموع (٢/ ١٥٨).
(٢) الحديث رواه مسلم في صحيحه (١/ ٢٦٩) كتاب الحيض باب إنما الماء من الماء برقم (٣٤٣) عن أبي سعيد الخدري … وفيه: يا رسول الله أرأيت الرجل يُعجل عن امرأته، ولم يُمن، ماذا عليه؟.
(٣) انظر: الصحاح (١/ ١٠٤) (جنب).
(٤) ساقطة من (أ) والتثبت من (ب).
(٥) في (ب): «المرة».
(٦) هذه الرواية لم أجدها بهذا اللفظ، ولكن أخرج ابن أ [ي شيبة في مصنفه في كتاب الطهارة، في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل (١/ ٨٠) (٨٨٢) أن أم سليم قالت: يا رسول الله، الْمَرْأَةُ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ، أَيَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ؟ قَالَ: هَلْ تَجِدُ شَهْوَةً؟ قَالَتْ: لَعَلَّهُ! قَالَ: هَلْ تَجِدُ بَلَلاً؟ قَالَتْ: لَعَلَّهُ! قَالَ: فَلْتَغْتَسِلْ فَلَقِيَتْهَا نِسْوَةٌ فَقُلْنَ لَهَا: فَضَحْتينَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لأَنْتَهِيَ حَتَّى أَعْلَمَ فِي حِلٍّ أَنَا، أَوْ فِي حَرَامٍ.».
وفي مسند إسحاق بن راهوية مثله (٥/ ٥٣) (٢١٥٧) ما يروى عن أم سليم أم أنس بن مالك -رضي الله عنهم-، ولم أجد من رواه، وفيه ذكر الشهوة إلا (ابن أبي شيبة وإسحاق) فيما اطلعت عليه، والحديث ضعيف بسبب الانقطاع في السند بين مجاهد ومن معه وبين أم سليم.