للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: أما العتق فلأنّه جعل الخدمة في مدة معلومة عوضًا فيتعلّق العتق بالقبول لأنّ الحكم في الأعواض هكذا.

وذكر شمس الأئمة -رحمه الله- في الجامع الصّغير (١) فإنّ العتق بعوض ينزل بقبول العوض قبل الأداء كما لو أعتقه على مال آخر وقال في الفوايد الظهيرية: (٢) إنّ (٣) الإعتاق على الشّيء يقتضي وجود القبول لا وجود المقبول؛ لأنّه يصلح عوضًا؛ لأنّ المنفعة أخذت حكم الماليّة بالعقد ولهذا صلحت صداقًا مع أنّ الله شرع ابتغاء الأبضاع بالأموال.

وبقيمة نفسه عندهما كما هو الحكم في مبادلة مال بمال إذا تعذر تسليم العوض يجب ردّ المعوّض وقد تعذّر عليه ردّ المعوّض وهو ردّ رقبته فيلزمه قيمته وفي قول أبي حنيفة الأوّل -رحمه الله- وهو قول محمّد -رحمه الله- هذا في حكم مبادلة مال بما ليس بمال من حيث إنّ السّبب لم ينفسخ بهلاك العوض، وقد تعذّر تسليم المسمّى مع بقاء السّبب الموجب للتّسليم فيجب قيمته، كما في النكاح والطّلاق على مال بعينه، ثم المنفعة وإن لم تكن مالًا بنفسها فإنّها تأخذ حكم الماليّة بالعقد؛ ولهذا صلحت صداقًا فيمكن إيجاب قيمة أربع سنين عليه كذا في الجامع الصّغير لشمس الأئمّة -رحمه الله- (٤).

وهما يقولان في مسألة (إعتاق العبد على خدمته أربع سنين) إن هذا معاوضة مال بمال؛ لأنّ العبد مال، وكذلك المنافع بإيراد العقد عليها ولهذا لو نكح امرأة على منافع الدّار شهرًا يجوز ولو لم يكن مالًا في العقد لوجب مهر المثل، وإذا كان كلّ واحد منهما مالًا كان هذا معاوضة مال بمال فلما كان كذلك كان هذا بمنزلة ما لو باع عبدًا بجارية ثم استحقّت الجارية يرجع عليه بقيمة العبد لا بقيمة الجارية لكونه معاوضة مال بمال، غاية ما في الباب أنّ العبد لا يملك نفسه حكمًا لهذا الإعتاق لكن ذلك لا يقدح في كونه معاوضة مال بمال، ألا ترى أن من اشترى عبدًا قد أقرّ بحريته لا يثبت الملك له في رقبته ويكون معاوضة مال بمال؟ كذا في الفوايد الظّهيرية (٥).

(ومن قال لآخر أعتق أمتك على ألف درهم على أن تزوجنيها)

ولم يذكر في عامّة النسخ لفظ على قبل قوله على أن تزوجنيها وهو الموافق للفظ الجامع الصّغير لشمس الأئمة -رحمه الله-؛ ولأنّه يستفاد معنى الوجوب من غير ذكره والحق هو في بعض النسخ ليكون أدّل على المراد، ثم ذكر شمس الأئمة -رحمه الله- (٦) أنّ المرأة لا تجبر على تزويج نفسها بعد العتاق في المسألتين؛ لأنّها صارت حرة مالكة أمر نفسها بمنزلة من أعتق أمته على أن تزوّج نفسها منه فقبلت الشّرط، ثم أبت التّزويج بعد العتاق لم تجبر على ذلك؛ لأن اشتراط البدل على الأجنبي في الطّلاق جائز، وفي العتاق لا يجوز، والفرق بينهما هو أنّ الأجنبي في باب الطّلاق كالمرأة، فإنّ المرأة بالطّلاق لا تملك شيئًا بل يسقط ملك الزوج عنها، ومع ذلك جاز استحقاق المال عليها شرعًا؛ فكذلك الأجنبي وإن كان لا يستحقّ بالطّلاق شيئًا يجوز استحقاق المال عليه إذا ضمن بخلاف العتاق، فإن الأجنبي في باب العتاق ليس كالعبد، فإن العبد بالعتاق يملك نفسه وتثبت له قوة حكمية لم تكن له قبل ذلك، فإنّ نفسه لم تكن مملوكة وإنّما كانت مملوكة لمولاه، فكان العتق على مال في معنى المعاوضة فاستحق عليه البدل لسلامة المُعوَّض له، والأجنبي لا يسلم له شيء بهذا الضّمان فلا يجوز استحقاق العوض عليه؛ لأن استحقاق جميع العوض على من لم يسلم له شيء من المعوض غير مشروع، كاشتراط الثّمن على غير المشتري، فلا يجوز استحقاق البدل على الآمر. إلى هذا أشار صدر الإسلام -رحمه الله- في الجامع الصّغير (٧). وقد قرّرناه من قبل أي في الخلع في مسألة خلع الأب ابنته الصّغيرة على وجه الإشارة.


(١) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٨/ ١٨٤).
(٢) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ٩٥).
(٣) " إن " في (ب) لأن، والصواب ما في (أ).
(٤) الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (١/ ٢٥٢).
(٥) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ٩٦).
(٦) انظر: البناية (٦/ ٩٥).
(٧) انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (١/ ٤٥٤).