للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمّا حكمه فهو ما ذكر في الكتاب بقوله: (ثم لا يجوز بيعه ولا هبته) إلى آخره فحاصله أن حكمه أن يعتق في آخر جزء من أجزاء حياته إن كان يخرج من الثلث فإن لم يخرج يعتق ثلثه ويسعى في ثلثه. وأمّا حكمه في حال حياة المولى: هو أن يثبت له حق الحرية فلا يجوز إخراجه عن ملكه إلا بالإعتاق أو بالكتابة، ولا يجوز فيه تصرف يبطل حقه، فأمّا ما لا يبطل حقه يجوز فلذلك (جاز تزويج المدبّرة وإجارتها ووطئها (١) واستخدامها)؛ لأنّ هذا تصرف في المنفعة ويصحّ هذه التصرفات مع حقيقة الحريّة فمع التّدبير أولى فإكساب المدبّر والمدبرة ومهرها وأرشها للمولى؛ لأنّ المدبّر باق على ملكه، ولا يجوز رهن المدبّر؛ لأنّ الثّابت بعقد الرّهن يد الاستيفاء، وحقيقة الاستيفاء ممتنعة في المدبّر، فكذا إثبات يد الاستيفاء.

وقال الشّافعي -رحمه الله-: يجوز (٢) لأنّه (تعليق العتق بالشّرط وذلك لا يمنع جواز البيع، كما لو علّقه بشرط آخر من دخول الدّار أو مجيء رأس الشّهر؛ ولأن التّدبير وصيّة، حتّى يعتبر من ثلث المال بعد الموت، والوصيّة لا تمنع الموصي من التصرف بالبيع وغيره، كما لو أوصى برقبته لإنسان، وهذا لأنّ الوصيّة إيجاب بعد الموت فتمنع الإضافة ثبوت حكم الوجوب في الحال.

وحجّتنا حديث نافع (٣) عن ابن عمر -رضي الله عنهم- (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يباع المدبّر ولا يوهب» (٤) هذا كله من المبسوط (٥).


(١) " ووطئها "هكذا في (أ) وفي (ب) ووطها، والصواب كتابة الهمزة حينئذ على واو، فتكون هكذا: ووطؤها بالرفع لأنها معطوفة على فاعل.
(٢) مذهب الشافعية: أنه يجوز بيع المدبر وهبته والوصية به وسائر التصرفات، سواء كان بيعه في دين، أو في غير دين، سواء كان التدبير مطلقاً أم مقيداً. والمقصود بالتدبر المطلق: أن يقول السيد: متى مت، أو إذا مت فأنت حر، أو يقول له أنت مدبر، ففي أي زمان مات السيد، وعلى أي صفة مات من مرض، أو قتل، عتق بموته.
أما الدبير المقيد: فهو أن يقول السيد: إن مت من مرضي هذا، أو عامي هذا فأنت حر، فيكون تدبيره مقوداً بشرطه، فإن مات من هذا المرض، أو في هذا العام، عتق بموته. وإن لم يمت منها بطل تدبيره، ولم يُعتق بموته في غير ذلك المرض، ولا في غير ذلك العام.
انظر: الحاوي الكبير (١٨/ ١٠١)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (١٢/ ١٨٧)، البيان في مذهب الامام الشافعي (٨/ ٣٨٥)، الوسيط في المذهب (٧/ ٤٩٥).
(٣) هو الإمام المفتي الثبت، عالم المدينة، أبا عبد الله القرشي مولى ابن عمر، وهو ديلمي الأصل، مجهول النسب، من أئمة التابعين بالمدينة، كان علامة في فقه الدين، كثير الرواية للحديث. روى عن: ابن عمر، وعائشة، وأبو هريرة -رضي الله عنهم-، توفي سنة (١١٧ هـ) على الأصح وقيل: سنة (١١٩ هـ). انظر سير أعلام النبلاء ط الرسالة (٥/ ٩٥).
(٤) عن نافعٍ، عن ابن عمر، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَهُوَ حُرٌّ مِنَ الثُّلُثِ». رواه الدار قطني في سننه (٥/ ٢٤٤) كتاب (المكاتب) رقم الحديث (٤٢٦٤)، وقال: لم يسنده غير عبيدة بن حسان، وهو ضعيف وإنما هو عن ابن عمر موقوف من قوله. انظر نصب الراية (٣/ ٤٣٣). وفي مصنف ابن أبي شيبة (٤/ ٣٢٥) كتاب البيوع والأقضية، في بيع المدبر، رقم الحديث (٢٠٦٦٤)، قَالَ: «الْمُعْتَقُ عَنْ دُبُرٍ، بِمَنْزِلَةِ الْمَمْلُوكِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ، فَإِنْ مَاتَ مَوْلَاهُ عُتِقَ».
(٥) انظر المبسوط للسرخسي (٧/ ١٧٩).