للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قوله: من ذلك إشارة إلى البيع والهبة؛ لأنّ الحرية تثبت بعد الموت أي بالإجماع ولا يثبت غيره أي غير التّدبير فيكون التّدبير سببًا في الحال، بخلاف سائر التّعليقات.

قوله: بخلاف سائر التعليقات متعلّق بقوله حال بطلان أهلية التصرّف، واليمين مانع أي لانعقاد السببيّة، فإنه يضاد أي وإن المنع يضاد وقوع الطّلاق؛ لأنّه يمنعه فلا يكون سببًا؛ لأن أدنى درجات السّبب أن يكون موصلًا، وهذا مانع فلا يكون سببًا بخلاف ما نحن فيه، مع إمكان تأخير السببيّة في سائر التعليقات إلى حال وجود الشّرط، ولو أخرنا السّببية ههنا إلى حال وجود الشّرط لكان إلغاء كلامه حينئذٍ من كلّ وجه لبطلان الأهلية في ذلك الوقت.

فإن قلت: وجود أهليّة المعلّق حال وجود الشّرط ليس بشرط، لما مرّ في باب العتق على جُعل أن الرجل إذا علّق طلاق امرأته أو عتاق عبده بدخول الدّار ثم جُنّ ثم وجد الشّرط وهو مجنون يقع الطّلاق والعتاق، فلما لم يشترط بقاء الأهلية في ذلك الوقت، كان هذا التعليق بمنزلة سائر التّعليقات وسائر التعليقات ليس لسبب في الحال، فيجب أن يكون هذا كذلك.

قلت: الفرق بينهما من وجهين:

أحدهما: أنّ الأهليّة فيما نحن فيه تبطل من كلّ وجه، وفي مسألة المجنون (١) تبطل الأهليّة من وجه دون وجه، فإن المجنون أهل للملك وزواله، وإن لم يكن هو أهلًا لإيقاع الطّلاق، ألا ترى أنّ وليه لو زوج له امرأة يصحّ النكاح ولو باشر هو بنفسه؛ لأسباب حرمة المصاهرة؟

يثبت حرمة المصاهرة ولو ارتدّ أبواه ولحقا به بدار الحرب (٢) تثبت الفرقة بينه وبين منكوحته، وههنا تبطل الأهليّة بالموت من كل وجه، ألا ترى أن نفس التّعليق يبطل بالموت، ولا يبطل بالجنون، فلما كان كذلك لم يلزم من عدم اشتراط مثل تلك الأهليّة التي هي بطلان من وجه دون وجه عدم اشتراط مثل هذه الأهلية التي فيه بطلان الأهلية من كلّ وجه.


(١) المجنون: هو من لم يستقم كلامه وافعاله، والمطبق من الجنون عند الامام: شهرٌ؛ لأنه يسقط به الصوم، وعند ابي يوسف: أكثره يوماٌ لأنه يسقط به الصلوات الخمس، وعند محمد حولٌ كامل وهو الصحيح؛ لأنه يسقط به جميع العبادات كالصوم والصلاة.
انظر: التعريفات (٢٠٤).
(٢) دارُ الحرب: هي الدار التي تظهر فيها أحكام الكفرِ، ولا يأمن مَن فيها بأمان المسلمين سواءٌ أكانوا مسلمين أم أهل ذمة. وقيل: بلاد المشركين الذين لا صلح بينهم وبين المسلمين.
انظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٩٣ - ١٩٤)، وفي لسان العرب (١/ ٣٥٧)، (حرب).