للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والثّانية: هي أنّ إلحاقه بالوصيّة في الدّعوى التي هو فيها لا يستقيم؛ لأن دعواه أنّه لا يجوز بيع المدبّر، وفي الوصيّة يجوز للموصى أن يبيع الموصى به، فكان هو رجوعًا منه على ما يأتي في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى. وقد ذكر هنا أيضًا في تعليل الشّافعي -رحمه الله- (١) أنّ الوصيّة لا تمنع البيع، فعلم بهذا أنّ التّعليل بالوصيّة لا يثبت ما ادّعاه.

قلت: أمّا الجواب عن الأولى فهو أنّ التّدبير إن كان وصيّة فهو تعليق العتق أيضًا بالموت، والموت يتحقق بالقتل، وفي وجود الشرط لا يتفاوت بين أن يكون الشّرط حرامًا محضًا أو مباحًا، فالقتل بغير حق يجوز أن يكون شرط عتق، وكذلك سائر المعاصي، وأمّا بطلان الوصيّة بالقتل فهو في الوصيّة المحضة، لا أن يكون الموت شرط شيء آخر سوى الوصيّة. إلى هذا أشار في الأسرار (٢).

وأمّا الجواب عن الثّانية: فإنّما يصحّ بيع الموصى به إذا لم يتعلّق (٣) به حق الغير على وجه الخلافة، وأمّا إذا تعلّق به حق الغير فلا يجوز تصرّفه في ذلك بالإزالة عن ملكه، والمدبّر قد أثبت للمملوك في الحال الخلافة في رقبته بعد موته فيكون إيجابًا في باقي الحال باعتبار وجود سببه على وجه يصير محجورًا عن إبطاله، كما أنّ الموت لما كان موجبًا الخلافة للوارث في تركته، وسببه المرض ثبت نوع حق لهم بهذا السبب على وجه يصير المريض محجورًا عن التبرّع، وهذه الخلافة في العتق الذي لا يحتمل الإبطال بعد ثبوته، فيتقوّى هذا السّبب من وجهين:

أحدهما: أن المتعلّق به ما لا يحتمل الإبطال.

والثّاني: أنّ التعليق بما هو كائن لا محالة وهو موجب للخلافة ولهذه القوة.

قلنا: (لا يحتمل الإبطال والفسخ بالرجوع عنه لما أنّ تعليق العتق بسائر الشّروط لا يحتمل الفسخ، فبهذا الشّرط أولى ولهذه القوة تجب حق الحريّة له في الحال على وجه يمتنع بيعه) كذا في المبسوط (٤).

وإبطال السّبب أي إبطال سبب العتق لا يجوز وفي البيع وما يضاهيه من الهبة والإمهار (٥) ذلك أي إبطال السّبب؛ لأنّ الملك فيه ثابت له حتى لو قال رجل كلّ مملوك لي فهو حرّ، يدخل في ذلك المدبّر وأمّ الولد وولدها ولا يدخل فيه المكاتب (٦) إلى هذا اشار في فتاوى قاضي خان -رحمه الله- (٧) لما روينا وهو قوله -عليه السلام- وهو حرّ من الثلث (٨).


(١) انظر: نهاية المطلب في دراية المذهب للجويني الملقب بإمام الحرمين ت (٤٧٨)، (١١/ ١٣٢).
(٢) انظر: كشف الأسرار (٤/ ١٤٨).
(٣) " يتعلق " في (ب) يعلق، وكلاهما صواب.
(٤) انظر المبسوط للسرخسي (٧/ ١٨٠).
(٥) الإِمهار: أمهرَ الوليُّ المرأة: إِذا زوّجها على مهر. وقال بعضهم: أمهر المرأة بمعنى مهرها.
انظر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم للحميرى اليمني (٩/ ٦٤٠١).
(٦) " المكاتب " هكذا في (ب) وفي (أ) الكاتب، وما في (ب) هو الصواب.
(٧) انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (١/ ٢٤٨).
(٨) الحديث حديث نافع عن ابن عمر (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يباع المدبّر ولا يوهب وهو حر من الثلث) سبق تخريجه ص (٢١٠).