للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا قال المولى لعبده أنت حرّ قبل موتي بشهر، ومضى شهر؛ (فإنّ العبد بعد هذا يعتق بمطلق موت المولى، ومع ذلك أنّه مدبّر مقيّد حتّى يجوز للمولى بيعه). ذكره في الأسرار (١).

قلت: إنّما كان كذلك لأنّه يعتق بالشّهر قبل موته كما سمّاه، فيجب اعتباره بالعتق المضاف إلى غد، وأنّه لا يثبت حقًا للعبد للحال فكذا هنا، فإن قلت: يشكل بما إذا قال كلّ مملوك املكه فهو حرّ بعد موتي، وله مماليكٌ فاشترى مماليك (٢) ثم مات عتقوا، فكان عتقهم متعلّقًا بمطلق موت المولى، ثم لو باع الذين اشتراهم صح ولم يدخلوا تحت الوصيّة بالعتق إلا عند الموت.

[٤١٥/ ب] قلت: الوصيّة إذا أضيفت إلى معدوم توقف على الموت كما إذا أوصى لولد عبد الله وله ثلاثة أولاد فمات واحد منهم بطل ثلث الوصيّة؛ لأنّ الوصيّة تناولهم (٣) جميعًا فبطل بموت واحد منهم ما بإزائه من حصّة الوصية، ولو لم يكن له ولد فولد له ثلاثة أولاد، ثم مات واحد منهم، كان كلّ الوصيّة للباقين، لأن الثّالث لم يدخل تحت الوصيّة؛ لأنّهم كانوا معدومين عند الإيجاب فتناول ما يوجد عند الموت. ونظيره الوصيّة بالمال إذا أضافها إلى موجود تعلّقت به وبطلت بهلاكه، ولو أضافها إلى معدوم، لم يدخل تحت الوصية إلا ثلث ماله عند الموت. وإذا كان كذلك صحّ بيع الذين اشتراهم بعد الإيجاب؛ لأنّ إيجاب التّدبير لم يتناولهم/ ولو بقوا إلى الموت عتقوا بالموت؛ لدخولهم تحت الإيجاب وقت الموت وهذا لأنّ الوصية إيجاب سبب الخلافة للحال، ويجب حكمه عند الموت واستغنت عن المحل بين الإيجاب والموت لأنّه لا وقت الإيجاب ولا وقت حلول الحكم إلى هذا أشار في الأسرار (٤).

(وذكر في اختلاف زفر ويعقوب إذا قال لعبده إذا مت أو قتلت فأنت حرّ على قول زفر -رحمه الله- يكون مدبّرًا؛ لأنّ عتقه تعلّق بمطلق موت المولى حتّى يعتق إذا مات على أيّ وجه مات، وعلى قول أبي يوسف -رحمه الله- لا يكون مدبّرًا؛ لأنّه علقه بأحد الشيئين الموت أو القتل، والقتل وإن كان موتًا فالموت ليس بقتل، وتعليقه بأحد الشيئين يمنع أن يكون عَزِيمةً في أحدهما خاصة فلا يصير مدبّرًا حتى يجوز بيعه.

وروى الحسن عن أبي حنيفة -رحمه الله- أنّه إذا قال لعبده إذا مت وغسلت فأنت حرّ لا يكون مدبّرًا؛ لأنّه علّقه بالموت وبشيء آخر بعده، ثم إذا مات ففي القياس لا يعتق وإن غسل ما لم يعتق؛ لأنّه لما لم يعتق بنفس الموت انتقل إلى الوارث، فهو كقوله إن متّ ودخلت الدّار فأنت حر، وفي الاستحسان يعتق؛ لأنّه يغسل عقيب موته قبل أن يتقرّر ملك الوارث فيه، وهو نظير تعليقه بموت بصفة، فإذا وجد ذلك يعتق من ثلثه، بخلاف دخول الدّار، وذلك لا يتّصل بالموت فيتقرّر ملك الوارث فيه). كذا في المبسوط. (٥)


(١) انظر: كشف الأسرار (٤/ ٣٢١).
(٢) " فاشترى مماليك " سقط من (ب).
(٣) " تناولهم " في (ب) تناولتهم، وكلاهما صواب.
(٤) انظر الاسرار: (٤/ ٣٢١).
(٥) انظر المبسوط للسرخسي (٧/ ١٨٥ - ١٨٦).