للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: مجرّد الإقرار بالاستيلاد كافٍ لثبوت الاستيلاد، وإن كان ذلك الإقرار في ضمن شيء لم يثبت ذلك الشّيء لمصادفة إقرار المولى في محلّه وهو الملك.

فإنّه ذكر في المبسوط (١): (ولو زوّج رجل أمته (٢) عبده، فولدت، فادّعاه المولى يعتق الولد، وتكون أمه بمنزلة أم الولد، ثم قال: وههنا نسب الولد غير ثابت من المولى، ومع ذلك الجارية تكون أمّ ولد له؛ وإنّما كان كذلك لاحتمال أن يكون الولد ثابت النّسب من المولى بعلوق سبق النكاح، أو شبهة بعد النكاح، إلا أنّ هذا الاحتمال غير معتبر في حق النّسب؛ لثبوت النّسب من الزّوج واستغنائه عن النّسب، فيبقى (٣) معتبرًا في حق الأم؛ لأنّها محتاجة إلى حق أمية الولد، بخلاف ما إذا أقرّ بالاستيلاد بالزنا؛ لأنّه لا احتمال للنّسب مع تصريحه بالزّنا)، ولو ادعاه المولى إلى قوله وتصير أمه أمّ ولد له فيما إذا كانت أمه قنة لا أم الولد؛ لأنّ لأم الولد أمومية الولد قبل هذه الدعوة ثابتة فلا يستقيم حينئذ.

قوله: وتصير أمه أم ولد له هكذا نقل من فوائد مولانا الإمام حميد الدين الضّرير، (٤) وأن لا يبعن وفي نسخة، وأن لا يسعين، والأوّل موافق لرواية الإيضاح، ولكن قوله لما روينا في دعوى نفي السّعاية، يدل على صحّة قوله وأن لا يسعين (٥).

ثم وجه قوله لما روينا في دعوى نفي السّعاية على تقدير رواية وأن لا يبعن هو أن عدم جواز البيع دليل على أنّ في أم الولد لم تبق المالية؛ لأنّ وجوب السّعاية بناء على بقاء الماليّة، وفي أمّ الولد لمن تبق الماليّة بموجب قوله -عليه السلام-: «أعتقها ولدها» (٦) فلا تجب السّعاية، ولأنّ الحاجة إلى الولد أصليّة، ألا ترى أنّ الأب إذا ادّعى جارية الابن يثبت نسبه؟ كحاجة الأكل، فإن للأب أن يأكل مال ابنه بغير إذنه لرد جوعه؛ فكذلك له أن يستولد جارية ابنه بغير إذنه لحاجته إلى بقاء نسله، وإن كانت الحاجة إلى بقاء النسل أدنى من حاجته إلى بقاء نفسه بالأكل؟ حتى فرق بينهما بضمان قيمة الجارية، وبعدم ضمان قيمة المأكول، ولكن من حيث إنّهما من الحوائج الأصليّة فإنّهما يستويان.


(١) انظر المبسوط للسرخسي (٧/ ١٥٦ - ١٥٧).
(٢) " أمته " هكذا في (ب) وفي (أ) أمة، والصواب ما في (ب).
(٣) " فيبقى " في (ب) فبقي، وكلاهما صواب.
(٤) حميد الدين الضرير علي بن محمد بن علي، حميد الدين الضرير من أهل رامُش -بضم الميم-قرية من أعمال بخارى من علماء الحنفية، كان إمامًا فقيهًا أصوليًا محدثًا متقنًا، تفقه على شمس الأئمة الكردري. وتفقه عليه جماعة منهم صاحب الكنز حافظ الدين النسفي. انتهت إليه رئاسة العلم بما وراء النهر. من تصانيفه: "الفوائد" حاشية على الهداية علقت على مواضع مشكلة؛ و"شرح المنظومة النسفية"، و"شرح الجامع الكبير". انظر: الجواهر المضية: (١/ ٣٧٣)، الفوائد البهية: ص (١٢٥).
(٥) " وأن لا يبعن وفي نسخة وأن لا يسعين والأوّل موافق لرواية الإيضاح ولكن قوله لما روينا في دعوى =نفي السّعاية يدل على صحّة قوله وأن لا يسعين " هذه العبارة موضعه في (ب) وفي (أ) موضعه قبل" ولو ادعاه المولى إلى قوله وتصير أمه أمّ ولد له"، وما في (ب) هو الصواب، يؤيده ما ذكر بعده.
(٦) سبق في صفحة (١٨١).