للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[٤١٧/ ب] فلا يتعلّق بها حق الغرماء (١) / كالقصاص يعني إذا مات من له القصاص وهو مديون فليس لأرباب الدّيون أن يأخذوا من عليه القصاص بدينهم، ويستوفوا منه ديونهم بمقابلة ما وجب عليه القصاص من مديونهم؛ لأنّ القصاص ليس بمتقوّم حتّى يأخذوا بمقابلته شيئًا متقوّمًا. وقيل: معناه أنّه إذا قتل المديون شخصًا لا يقدر الغرماء على منع ولي القصاص من استيفاء القصاص، وقيل معناه: إذا قتل رجل مديونًا والمديون قد عفا فلا يقدر الغرماء على منع المديون عن العفو.

(وإذا أسلمت أمّ ولد النّصراني فعليها أن تسعى في قيمتها)، فإن قلتَ: كيف يصحّ القول بالسّعاية عليها على قول أبي حنيفة -رحمه الله- مع أنّ أمّ الولد غير متقوّمة عنده؟ وقد مرّ. والقول بوجوب الاستسعاء قول بالتقوّم إذ السّعاية بدل ما ذهب من ماليته المتقومة، وهي في حالة الإسلام لم تكن متقوّمة على قوله فلا تكون الماليّة ذاهبة عنها.

قلتُ: أجاب عن هذا السؤال في الكتاب بقوله: ومالية أمّ الولد يعتقدها الذميّ متقوّمة إلى آخره، وقد ذكرنا تمام الجواب قبيل باب عتق أحد العبدين (٢)، ولم يبين مقدار قيمتها، وهي أم ولد وهذا مشكل؛ فإنّها لو كانت بحيث تباع فلا نقصان في قيمتها، ولكن قيل قيمة المدبّرة (٣) قدر ثلثي قيمتها قنة، وقيمة أم الولد قدر ثلث قيمتها قنة؛ لأنّ للمالك في مملوكه ثلاث منافع: الاستخدام، والاسترباح بالبيع، وقضاء ديونه من ماليته بالاستسعاء بعد موته، فبالتّدبير ينعدم أحد هذه المعاني وهو الاسترباح، ويبقى منفعتان، وبالاستيلاد ينعدم اثنان ويبقى واحد، وهو الاستخدام، فيتوزع القيمة على ذلك.

قوله: ومالية أمّ الولد جواب سؤال مقدر وهو الذي ذكرناه.

فيترك وما يعتقده أي مع ما يعتقده والواو بمعنى مع؛ ولأنّها إن لم تكن متقوّمة فهي محترمة، وهذا يكفي لوجوب الضّمان، فإن قيل: لو كان احترامها كافيًا لوجوب الضّمان ينبغي أن يجب الضّمان بغصب أمّ الولد، لما أنّها حرام التّعرض بالغصب، ومع ذلك لا يجب الضّمان على قول أبي حنيفة -رحمه الله-.

قلنا: إنما لم يجب الضّمان به على قوله؛ لأن مبنى ضمان الغصب على المماثلة لقوله تعالى: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (٤)؛ لأنّ الغصب من الاعتداء، ولا مساواة بين ما ضمن به من المال، وبين مالية أمّ الولد؛ لأنّها غير متقوّمة، فلما لم يجب المساواة بينهما لم يجب الضّمان، كما في غصب المنافع، لم يجب الضمان لهذا المعنى لقيام الموجب وهو إسلامها، فيلزم الدّور فلذلك لا تُرَدُّ قِنَّهٌ. (ومن استولد أمة غيره بنكاح، ثمّ ملكها صارت أم ولد له)، وقال الشّافعي -رحمه الله-: لا تصير أمّ ولد له، (٥) لقوله -عليه السلام-: «أيما أمة ولدت من سيّدها» (٦) شرط لثبوت حق العتق لها أن تلد من سيّدها، وهذه ولدت من زوجها لا من سيّدها، والمعنى ما ذكر في الكتاب، (وحجّتنا فيه أنّه ملكها وله منها ولد ثابت النّسب كانت أمّ ولد له، كما لو استولدها في ملكه، وتأثيره أن حق العتق يثبت لها بالاستيلاد، كما قال -عليه السلام-: «أعتقها ولدها» (٧) والملك في المحلّ فإذا تقرّر السّبب قبل الملك توقف على وجود الشّرط.


(١) الغُرمُ: الدَّين. ورجلٌ غارم: عليه دَين.
انظر: لسان العرب (١٢/ ٥٠٩)، (غرم).
(٢) راجع ص (١٢٧) من هذا البحث.
(٣) " المدبرة " هكذا في (ب) وفي (أ) المدبر، والصواب ما في (ب). سبق تخريجه (ص ١٩٠).
(٤) سورة البقرة آية: (١٩٤).
(٥) انظر: الحاوي الكبير (٦/ ٦٨)، الوسيط (٦/ ١٧٥)، روضة الطالبين (٧/ ٢١٣).
(٦) سبق في صفحة (١٩٠).
(٧) سبق في صفحة (١٩٠).