للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أن في حرية الولد لما تقرّر السّبب قبل الملك، وهو النّسب توقف على وجود شرطه وهو الملك حتّى إذا ملكه يعتق؟ فكذلك في الأمّ؛ لأنّ حقّها تابع لحق الولد، بخلاف التّدبير والعتق قبل الملك؛ فإن ذلك لغو شرعًا فلا يظهر حكمه بعد الملك، وهذا السّبب متقرر شرعًا يوضحه أن حقّ العتق لأم الولد باعتبار أنّها منسوبة إليه بواسطة الولد؛ فإنّ للجزئية (١) تأثيرًا في النّسبة، والولد جزءٌ منها، فتصير هي منسوبة إليه باعتبار هذه الواسطة، حتى يقال أمّ ولده، وهذا متقرّر حتّى يثبت نسب الولد بنكاحٍ كان أو بملك، ولا معتبر بما قاله الخصم من حريّة الماء الذي هو في حكم الجزء؛ لأنّه لو أعتق ما في بطن جاريته لم يثبت لها حقّ العتق، ولا حقيقة العتق، فلو كان ثبوت العتق لها باعتبار الاتّصال والجزئية لثبت ههنا). كذا في المبسوط. (٢)

[٤١٨/ أ] فعلم بهذا أن معنى قوله -عليه السلام-: «أيما أمة ولدت من سيّدها فهي معتقة عن دبر منه» (٣) وهي فيما إذا ولدت من سيّدها وهو (٤) غير متعرّض لما إذا ولدت من زوجها ثم صار زوجها/ سيّدها ما حكمها؟ بل حكمها موقوف إلى قيام الدّليل وقد قام الدّليل على أنها تعتق أيضًا عتق أم الولد وهو ما ذكرنا من الدّليل فيجب القول به وذكر في الأسرار والإيضاح (٥) والكلام ههنا يرجع إلى معرفة سبب هذا الحكم، وهو أمية (٦) الولد، فإنّ هذا حكم في الشّرع معرف بهذا الاسم؛ وأنّه عبارة عن ثبوت حق العتق، وتأجل حقيقة العتق إلى ما بعد الموت، وسببه عندنا ثبوت نسب الولد.

وعند الشّافعي -رحمه الله- (٧) السّبب علوق الولد حرًا، وإنما تتبيّن ثمرة هذا الأصل فيمن استولد أمة بنكاح، ثم اشتراها، هل تصير أمّ ولد له أم لا على ما ذكرنا؟ ثم ثبوت النّسب وأمية الولد عندنا، لا يتفاوت بين أن يكون من نكاح صحيح، أو فاسد، أو وطئ بشبهة.

قوله: وإنّما يعتق على الزّاني جواب سؤال مقدّر وهو أن يقال: لما لم يثبت النّسب من الزنا؟ ينبغي أن لا يعتق ولده المخلوق من الزنا إذا ملكه؛ لأنّه لا نسب بينهما شرعًا، فأجاب عنه وقال: إنّما يعتق باعتبار أنّه جزؤه حقيقةً بغير واسطةٍ، فكانت أمّ الولد بالزنا، نظير من اشترى أخاه من الزنا حيث لا يعتق لما أنّ ذلك إنّما يثبت باعتبار نسب الأخوة إليه، وهي غير ثابتة، فعلم بهذا أنّ المراد من الأخ ههنا الأخ لأب، أمّا الأخ لأم فإنّه يعتق عليه إذا ملكه، وإن كان من الزّنا؛ لأن النسبة ثابتة بينهما؛ لأنّه جزؤه حقيقةً بغير واسطةٍ، بخلاف حق الحرية للأم؛ لأنّ ذلك الحق إنّما يثبت بواسطة النّسبة، وهي معدومة في الزّنا، فلا تصير أم ولد له بواسطة نسبته إلى الوالد، وهي غير ثابتة، فلا يثبت العتق، فكذلك الواسطة ههنا قد انعدمت حين لم يثبت نسب ولدها بالزنا؛ فلذلك لا تصير أمّ ولد له.


(١) " للجزئية " هكذا في (ب) وفي (أ) للحرية، والصواب ما في (ب).
(٢) انظر المبسوط للسرخسي (٧/ ١٥٤ - ١٥٥).
(٣) سبق تخريجه في صفحة (١٩٠).
(٤) " وهو " هكذا في (ب) وفي (أ) وهي، والصواب ما في (ب).
(٥) انظر: العناية (٨/ ٢٩٧).
(٦) " أمية " في (ب) أمومية، وكلاهما صواب.
(٧) انظر: روضة الطالبين (١٢/ ٣١٢).