للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فأمّا الحلف بالطّلاق والعتاق وما أشبه ذلك فما يكون (على أمر في المستقبل) فهو كاليمين المعقودة، وما يكون على أمر في الماضي فلا يتحقق فيه اللّغو والغموس ولكن إذا كان يعلم خلاف ذلك أو لا يعلم فالطّلاق واقع، وكذلك الحلفُ بِنذرٍ؛ لأن هذا تَنجِيزٌ وتحقيق.

وذكر في المبسوط (١) (أن اليمين على نوعين: نوع يعرفه أهل اللغة وهو ما يقصد به تعظيم المقسم به ويسمون ذلك قسمًا إلا أنّهم لا يخصون ذلك بالله.

وفي الشّرع هذا النّوع من اليمين أي تعظيم المقسم به لا يكون إلا بالله تعالى، فهو المستحق للتّعظيم بذاته على وجه لا يجوز هتك حرمة اسمه بحال. والنّوع الآخر الشّرط والجزاء وهو يمين عند الفقهاء لما فيها من معنى اليمين وهو المنع أو الإيجاب.

ولكن أهل اللغة لا يعرفون ذلك؛ لأنّه ليس فيه معنى التّعظيم.

ثمّ بدأ الكتاب ببيان النّوع الأوّل فقال: الأيمان ثلاث (٢) ولم يرد به عدد الأيمان فإن ذلك أكثر من أن تحصى وإنما أراد أنّ اليمين بالله -عز وجل- تنقسم في أحكامها ثلاثة أقسام.

يمين تُكَفَّر ويمين لا تُكَفَّر (٣) (ويمين نرجو أن لا يُؤاخذ الله تعالى بها صاحبها)

فأمّا التي تُكَفَّر فهي اليمين على أمر في المستقبل؛ لإيجاد فعل أو نفي فعل وهذا عقد مشروع أمر الله تعالى به في بيعة نُصرةِ الحقِ، وفي المظالم والخصومات (٤) وهي في وجوب الحفظ أربعة أنواع:

نوع منها يجب إتمام البرّ فيها، وهو أن يعقد على فعل طاعة أمر به أو امتناع من معصية، وذلك فرض عليه قبل اليمين وباليمين يزداد وكادةً، ونوع لا يجوز حفظها وهو أن يحلف على ترك طاعة، أو فعل معصية؛ لقوله -عليه السلام-: «من حلف أن يطيع الله فليطعه ومن حلف أن يعصي الله فلا يعصه» (٥). ونوع يتخير فيه بين الحنث والبرّ، والحنث خير من البرّ فيُندبُ فيه الحِنثُ (٦) لقوله -عليه السلام-: «من حلف على يمين ورأى غيرها خيراً منها فليأت بالذي هو خير وليكفّر يمينه» (٧) وأدنى موجبات الأمر النَّدب.


(١) انظر المبسوط للسرخسي (٨/ ١٢٦ - ١٢٧).
(٢) " ثلاث" هكذا في (ب) وفي (أ) ثلث والصواب ما في (ب).
(٣) " ويمين لا تكفر " سقط من (ب).
(٤) الخصومات جمع خُصُومة: وهو الجدال والنزاع.
انظر: لسان العرب (١٢/ ٢٠٩)، مختار الصحاح (١/ ٩١) المعجم الوسيط (١/ ٢٣٩)، كلاهما (خصم).
(٥) الحديث بهذا اللفظ في المبسوط للسرخسي (٨/ ١٢٧)، بدائع الصنائع (٣/ ١٧)، الاختيار لتعليل المختار (٤/ ٤٧).
وعن عائشة -رضي الله عنها-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من نذر أن يُطِيع الله فليُطِعْهُ، ومن نذر أن يعصِيَهُ فلا يعصِهِ» أخرجه البخاري (٨/ ١٤٢)، كتاب الأيمان والنذور، رقم (٨٣)، باب النذر في الطاعة، رقم الحديث (٦٦٩٦).
(٦) " الحنث " هكذا في (ب)، وفي (أ) للحنث والصواب ما في (ب).
(٧) عن أبي هريرة، قال: أعتم رجل عند النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ رجع إلى أهله فوجد الصِّبيَةَ قَد ناموا، فَأتاهُ أهلُهُ بطعامه، فحلف لا يأكل من أجل صبيته، ثُمَّ بدا له فأكل، فأتى رسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «من حلف على يمينٍ، فرأى غيرها خيرًا منها، فليأتها، وليُكَفِّر عن يَمِينِهِ» رواه مسلم (٣/ ١٢٧١)، كتاب الأيمان، رقم (٢٧)، باب ندب من حلف يمينًا فرأى غيرها خيرًا منها، أن يأتي الذي هو خير، ويُكفِّر عن يمينه، رقم (٣)، رقم الحديث (١٦٥٠).