للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[٤٢٠/ أ] ونوع يستوي فيه فعل البر والحنث في الإباحة فيتخيّر بينهما، وحفظ اليمين أولى لظاهر قوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} (١)، وحفظ اليمين يكون بعد/ وجودها فعرفنا به أنّ المراد به حفظ البرّ، ومتى حنث في هذه اليمين فعليه الكفّارة).

قوله: يمين الغموس ذكر في المغرب (وفي بعض النسخ أو يمين الفاجرة وهو خطأ لغة وسماعًا) (٢) يعني يجب أن يقال اليمين الغموس على وجه الصّفة والموصوف لا على وجه الإضافة؛ لأن إضافة الموصوف إلى صفة لا يجوز.

وبما ذكر في المغرب يعرف خطأ من يقول إن قولهم يمين الغموس كقولهم علم الطّب؛ فإنّه لا خلاف لأحد في صحّة هذه الإضافة ولما أن الطّب ليس بصفة والغموس صفة فكيف تكون هذه الإضافة مثل تلك الإضافة.

ثمّ ذكر في المغرب (وسميت غموسًا لأنّها تغمس صاحبها في الإثم ثمّ في النّار) (٣) وكان بخط شيخي -رحمه الله- اليمين الغموس ويمين منعقدة كلاهما بلفظ الصّفة والموصوف، ويمين لغو بطريق الإضافة.

(فالغموس هي الحلف على أمر ماضٍ) وذكر المضي ليس على الشّرط؛ فإنّها تكون في الحال أيضًا فإنّه ذكر في الإيضاح والتحفة (فهي اليمين على أمر في الماضي). (٤)

(يتعمد الكذب فيه) والله ما فعلت كذا وهو يعلم خلاف ذلك أو اليمين على أمر في الحال نحو قوله: والله ما لهذا عَلىَّ دينٌ وهو يعلمُ خلافه.

وفي التحّفة: (وفي الحال نحو قوله: والله إنّه عمرو مع علمه أنّه زيد ونحوه) (٥)

وذكر في المبسوط (٦) (واليمين الغموس ليست بيمين على الحقيقة؛ لأن اليمين عقد مشروع، وهذه كبيرة محضة، والكبيرة ضد المشروع ولكن سمّاه يمينًا مجازًا؛ لأن ارتكاب هذه الكبيرة باستعمال صورة اليمين كما سمّى النبي -عليه السلام- بيع الحر بيعًا مَجَازًا، لأن ارتكاب تلك الكبيرة باستعمال صورة البيع، ثم لا تنعقد هذه اليمين فيما هو حكمها في الدنيا عندنا ولكنّها توجب (التوبة والاستغفار).

وعند الشّافعي -رحمه الله- تنعقد موجبة للكفارة (٧) فمن أصله محلّ اليمين نفس الخبر وشرط انعقادها القصد الصّحيح، وعندنا محلّ اليمين خبر فيه رجاء الصّدق؛ لأنّها تنعقد موجبة للبرّ ثم الكفارة خَلَفٌ عنه عند فوات البرّ؛ فالخبر الذي لا يتصوّر فيه الصّدق لا يكون محلًا لليمين والعقد لا ينعقد بدون محلّه، وحجته قوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} (٨) فالله تعالى أثبت المؤاخذة في اليمين المكسوبة، والغموس بهذه الصفة؛ لأنها بالقلب مقصودة ثم فسر هذه المؤاخذة بالكفارة في قوله تعالى: (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} (٩)، معناه بما قصدتم (١٠)؛ فالعقد هو القصد، ومنه سميت النيّة عقيدة، فأوجب الكفارة موصولة باليمين بقوله: (فَكَفَّارَتُهُ} (١١) لأنّ الفاء للوصل وقال في آخر الآية: (ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} (١٢)، والكفارة بنفس الحلف؛ إنّما تجب في الغموس.


(١) سورة المائدة آية: (٨٩).
(٢) انظر: المغرب (١/ ٣٤٦).
(٣) انظر: المغرب (١/ ٣٤٦).
(٤) انظر تحفة الفقهاء: (٢/ ٢٩٤).
(٥) المصدر السابق.
(٦) انظر المبسوط للسرخسي (٧/ ١٢٧ - ١٢٨ - ١٢٩).
(٧) انظر: الأُم (٤/ ١٩٥)، (٧/ ٦٤)، المجموع شرح المهذب للنووي (١٨/ ١٣ - ١٤)، الحاوي الكبير (١٥/ ٢٦٧ - ٢٦٩ - ٢٨٨).
(٨) سورة البقرة: (٢٢٥).
(٩) سورة المائدة آية: (٨٩).
(١٠) " بما قصدتم " سقط من (ب).
(١١) سورة المائدة آية: (٨٩).
(١٢) سورة المائدة آية: (٨٩).