للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمراد بقوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} (١) الامتناع عن الحلف، وحجّتنا فيه قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} (٢)؛ فقد بيّن الله تعالى جزاء اليمين الغموس بالوعيد في الآخرة، فلو كانت الكفارة فيها واجبة لكان الأولى بيانها.

وقال -عليه السلام-: «خمس من الكبائر لا كفارة فيهن» (٣) وذكر فيها اليمين الفاجرة، والمعنى فيه أنّها غير معقودة؛ لأنّ عقد اليمين (٤) للحظر أو للإيجاب، وذلك لا يتحقق في الماضي والخبر الذي ليس فيه توهم الصدق، والعقد لا ينعقد بدون محلّه، كالبيع لا ينعقد على ما ليس بمال؛ لخلوه عن موجب البيع، وهو تمليك المال؛ ولأن الغموس محظور محض فلا يصلح سببًا للكفّارة كالزنا والردّة؛ وهذا لأنّ المشروعات تنقسم ثلاثة أقسام:

عبادة محضة وسببها مباح محض، وعقوبة محضة كالحدود وسببها محظور محض، وكفارات وهي تتردّد بين العبادة والعقوبة، فمن حيث إنها لا تَجِبُ إلاَّ جَزَاءً تُشبِهُ العُقُوبة، ومن حيث إنّه يُفتى بها ولا تتأدّى إلا بنيّة العبادة، وتتأدّى بما هو محض العبادة، كالصّوم تشبه العبادات، فينبغي أن يكون سببها متردّدًا بين الحظر والإباحة، وذلك المعقودة على أمر في المستقبل باعتبار تعظيم حرمة اسم الله تعالى باليمين مباح، وباعتبار هتك هذه الحرمة بالحنث محظور، ويصلح سببًا للكفارة.

[٤٢٠/ ب] وأمّا الغموس فمحظور محض؛ لأنّ الكذب بدون الاستشهاد بالله محظور محض، فمع الاستشهاد بالله تعالى أولى، فلا يصلح سببًا للكفارة؛ ثم الكفارة تجب خلفًا عن البر الواجب باليمين؛ ولهذا لا يجب في المعقودة على أمر في المستقبل إلا بعد الحنث؛ لأن قبل الحنث ما هو الأصل قائم وهذا إنّما يتصوّر في خبر فيه توهم الصدق/ أنّه ينعقد موجباً للأصل ثم الكفارة خلفا عنه.


(١) سورة المائدة آية: (٨٩).
(٢) سورة آل عمران آية: (٧٧).
(٣) عن عبدالله بن عمرٍو، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " الكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَاليَمِينُ الغَمُوسُ "
انظر: صحيح البخاري (٨/ ١٣٧) كتاب الأيمان والنذور، رقم (٨٣)، باب اليمين الغموس، رقم الحديث (٦٦٧٥)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (١/ ٥٤٠)، البناية (٦/ ١١٣)، العناية (٥/ ٦٠)، الاختيار لتعليل المختار (٤/ ٤٧)، المبسوط للسرخسي (٨/ ١٢٨)، (كلهم ذكروا هذه العبارة قوله -صلى الله عليه وسلم- "خمس من الكبائر … " وذكر منها اليمين الغموس … )
(٤) " اليمين " سقط من (ب).