للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعنى قوله: (ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} (١) وحنثتم ومن أسباب الوجوب ما هو مضمر في الكتاب كما في قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (٢) معناه فأفطر فعدّة من أيّام أخَر، ثم إن الله تعالى أوجب الكفارة بعد عقد اليمين بقوله: (بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} (٣)، وإنما يتصوّر الانعقاد فيما يتصوّر فيه الحل؛ لأنّه ضدّه. قال القائل:

خَطَرَاتُ الْهَوَى تَرُوحُ وَتَغْدُو … وَلِقَلْبِ الْمُحِبِّ حَلٌّ وَعَقْدُ (٤)

ولا يتصوّر ذلك في الماضي، والمراد بقوله تعالى: (وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} (٥)، المؤاخذة بالوعيد في الآخرة؛ لأن دار الجزاء في الحقيقة الآخرة، فأمّا في الدنيا فقد يؤاخذ المطيع ابتلاءً، ويُنَعَّم العاصي استدراجًا، والمؤاخذة المطلقة محمولة على المؤاخذة في الآخرة).

فلا تناط بها أي فلا تعلق الكفارة بالكبيرة، فإن قيل الظهار (٦) منكر من القول وزور والزور (٧) كبيرة ومع ذلك وجبت فيه الكفارة. قلنا: أنّ الكفارة تجب بالعود وهو الغرم على الوطئ لا بمجرّد الظّهار على ما مرّ، فإن قيل إذا أفطر الصّائم بالزّنا أو شرب الخمر تجب الكفّارة وهما كبيرتان. قلنا: الكفّارة هناك لا باعتبار أنّهما حرامان وكبيرتان؛ بل باعتبار الفطر في المشتهى حتّى إنّه لو زنا أو شرب الخمر ناسيًا لا يفسد صومه ولا يجب الكفارة ويجب الحدّ باعتبار أنهما في أنفُسِهما مباشرةُ كبيرةٍ، وأمّا اليمين الغموس فليست بيمين على الحقيقة؛ بل أطلق عليها اسم اليمين مجازًا، على ما ذكرنا فلا تجب الكفّارة.


(١) سورة المائدة آية: (٨٩).
(٢) سورة البقرة آية: (١٨٤).
(٣) سورة المائدة آية: (٨٩).
(٤) الْخَطَرَاتُ: جَمع خطرةٍ وهي من خطر الشَّيء في قلبه من حَدِّ ضَرَبَ أي تَحَرَّكَ والهَوَى الْحُبُّ وتروحُ وتغدُو أي يقع ذلك مساءً وصباحًا ولِقلبِ المُحبِّ حَلٌّ وعقدٌ أي نقضٌ وإِبرامٌ فيما يَعزم عليه.
انظر: طلبة الطلبة (١/ ٦٧).
(٥) سورة البقرة آية: (٢٢٥).
(٦) الظِّهارُ في اللغة: مصدر ظاهر، يقالُ ظاهر الرجُلُ من امرأته مُظاهرةً وظِهاراً: إذا قال: هي عليَّ كظهرِ أمًّي. وإنما خصَّ الظهر بذلك؛ لأنه موضع الركوب والمرأة مركوبة إذا غُشيت، فكأنه إذا قال: أنت عليًّ كظهر أمي أراد: ركوبكِ للنكاح عليَّ حرام كركوبِ أمَّي للنكاح.
انظر: لسان العرب (٤/ ٦٠٧)، (ظهر).
وفي عرف الفقهاء: الظِّهَارُ: هو أن يُشبِّه امرأتَهُ أو عُضوًا من أعضائِها يُعَبِّرُ به عن جميعها أو جزءًا شائِعًا منها بمن تحرم عليه على التَّأبِيدِ.
انظر: تبيين الحقائق (٣/ ١٩٧)، الجوهرة النيرة (٢/ ٦٢).
(٧) الزُّورُ: هو الكذبُ والباطلُ. انظر: لسان العرب (٤/ ٣٨٩)، مختار الصحاح (١/ ١٣٩)، كلاهما (زور).
وفي عرف الفقهاء: هي الشهادة بالكذب ليتوصَّل بها إلى الباطل من إتلاف نفس، أو أخذ مال، أو تحليل حرام أو تحريم حلال. انظر: خلاصة الكلام شرح عمدة الأحكام للحريملي النجدي (١/ ٣٦٣)، الموسوعة الفقهية الكويتية (٣٤/ ٢٠٨).