للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حروف القسم: الواو كقوله تعالى: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (١) والباء كقوله تعالى: (بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (٢) والتاء كقوله تعالى: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} (٣). (وقد يضمر الحرف) إلى أن قال: لأن حذف الحرف إلى آخره (٤).

ذكر لفظ الإضمار في الرواية ولفظ الحذف في التعليل بطريق المسامحة لما أن بينهما فرقًا. فإن المضمر هو ما يبقى أثره نحو قوله تعالى: (انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} (٥) أي يكن الانتهاء خيرًا، وقال: لهم إن خيرًا فخير، والمحذوف وهو ما لا يبقى أثره كقوله تعالى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (٦).

ثم قيل ينصب وهو مذهب أهل البصرة. وقيل يخفض وهو مذهب أهل الكوفة كذا في المبسوط (٧) هذا مستقيم، ولكن تعليله بانتزاع الخافض في النّصب وللدلالة على الكسرة في الجر ليس بمستقيم على ما عليه أهل النّحو، بل النصب لإيصال فعل احلف أو اقسم المقسم به عند حذف حرف الجرّ، فكان انتصابه على أنّه مفعول به وأمّا الجر فلإضمار حرف الجر، والعامل يعمل عمله عند الإضمار، بخلاف الحذف على ما ذكرنا.

وذكر في فتاوى قاضي خان -رحمه الله- (٨): (ولو قال بالله لا أفعل كذا، وسكن الهاء أو نصبها أو رفعها يكون يمينًا؛ لأنّه ذكر اسم الله تعالى بحرف القسم، والخطأ في الإعراب لا يمنع صحّة القسم)؛ لأنّ الباء تبدل بها أي باللام.

والمنكر يراد به تحقيق الوعد فصار كأنّه قال افعل هذا لا محالة؛ وأمّا وَالحَقِّ بحرف التعريف بأن قال والحَقِّ لا أفعل كذا فهو يمين بلا خلاف.

[٤٢٢/ أ] (كقوله والله) قال تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ} (٩) (ولو قال: اقسم أو أقسم بالله إلى قوله فهو حالف) فإن قلت: اليمين هي ما كان حاملًا على فعل شيء، أو تركه موجبًا للبر، وعند فواته موجبًا للكفارة على وجه الخلافة عن البر، ثم قوله: أقسم ههنا لا يكون موجبًا من البر شيئًا بمجرّده؛ لأنّه لم يعقد يمينه على فعل شيء أو تركه، فكيف يكون هو يمينًا؟ ولأن الكفّارة إنّما تكون لستر الذّنب الذي وقع فيه بسبب هتك حرمة اسم الله تعالى، وليس في أقسم مجردًا هتك اسم الله تعالى فكيف يكون هو موجب للكفارة؟ ولأنّ قوله اقسم صيغة فعل مضارع فكما تكون هي للحال كذلك يكون للاستقبال فلو وجب الكفارة من حيث/ إنّها للحال فلا يجب من حيث إنّها للاستقبال، ولم تكن واجبة قبل هذا فلا يجب بالشّك خصوصاً في حق الكفّارة، فإنّها ملحقة بالحدود، حتّى إنّها إذا اجتمعت تداخلت كالحدود، قلت: الحق قوله أقسم بقوله على يمين فإنّ ذلك موجب للكفارة وذكره في الذّخيرة وغيرها فقال: ولو قال علىَّ يمين أو يمين الله فهو يمين وفي المنتقى (١٠) إذا قال عليّ يمين.


(١) سورة الأنعام آية: (٢٣).
(٢) سورة لقمان آية: (١٣).
(٣) سورة الأنبياء آية: (٥٧).
(٤) كامل العبارة "وقد يُضمِرُ الحرف فيكُونُ حَالِفًا كقوله اللَّهِ لا أفعلُ كذَا لأنَّ حذف الحرف من عادة العربِ إيجازًا" انظر: العناية (٥/ ٧٠).
(٥) سورة النساء آية: (١٧١).
(٦) سورة يوسف آية: (٨٢).
(٧) انظر: المبسوط للسرخسي (٨/ ١٣٢).
(٨) انظر فتاوى قاضي خان (٢/ ١).
(٩) سورة المؤمنون آية: (٧١).
(١٠) المنتقى: للحاكم الشهيد الإمام أبو الفضل محمد بن محمد بن أحمد المروزي البلخي، الشهير بالحاكم الشهيد، العالم الكبير، الفقيه المحدث، شيخ الحنفية في زمانه، كان يحفظ الفقهيّات وستين ألفًا من الحديث الشريف، له: الكافي، المنتقى، توفي شهيدًا وهو ساجد عام (٣٤٤ هـ).
انظر: الجواهر المضية (٣/ ٣١٣)، تاج التراجم (ص/ ٢٧٢)، الفوائد البهية (ص/ ٣٠٥).