للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: لا كفارة لها هذا قول القائل بقوله علىَّ يمين، أي تجب عليه الكفارة بقوله عليَّ يمين وإن نفى الكفّارة صريحًا بقوله؛ لأن قوله َّعلى يمين لما كان موجبًا للكفارة لا يفيد قوله: لا كفارة، أمّا بعد ذلك (١) يريد به الإيجاب فعليه يمين لها كفارة؛ وإنّما كان كذلك؛ لأن كله علىَّ للإيجاب، فلما كان كذلك كان هذا إقرارًا عن موجب اليمين، فموجب اليمين البر إن أمكن وإلا فالكفارة حلف عنه ولم يمكن تحقيق البر ههنا؛ لأنّه لم يعقد يمينه على فعل شيء، أو تركه فكان إقرارًا عن موجب موجب اليمين، وهو الكفّارة على وجه الخلافة، وبالإقرار تجب الحدود، فكذا الكفارة وكذلك في قوله عليَّ نذر، ففيه كفّارة يمين على ما يجيء بعد هذا، فلما كان كذلك في قوله عليَّ يمين.

وفي قوله: عليَّ نذر كان في قوله: أقسم عند قران البينة بالقسم كذلك لما أن أصله الحال في استعمال الفقهاء، حتّى جعل في الشّرع قول المرأة أختار نفسي عند التخيير بمنزلة اخترت، وكذلك قول الموحد: أشهد أن لا إله إلا الله وقول الذي يشهد عند مجلس القضاء بقوله أشهد.

وحاصل ذلك أنّ قوله: أقسم لما كان عبارة عن الإقرار بوجوب الكفّارة بهذا التقرير الذي ذكرنا، خرج الجواب عن جميع السؤالات، فإنّه لما كان عبارة عن الإقرار بوجوب الكفارة، لم يحتج إلى وجوب البرّ ابتداء؛ ولا إلى تصوير هتك اسم الله تعالى ولا إلى جعل تلك الصيغة للاستقبال، ثم عندنا لا يتفاوت بين أن يقول: أقسم وبين أن يقول أقسم بالله فكلّ واحد منهما موجب للكفّارة.

وقال زفر -رحمه الله- بالفرق بينهما فأوجب اليمين والكفارة عند قران اسم الله تعالى ولم يوجب عند عدم قرانه، فكذلك قوله أحلف وأشهد عندنا يكون يمينًا بدون أن يقرن به اسم الله تعالى وعند زفر -رحمه الله- لا يكون يمينًا بدون ذكر اسم الله.

أمّا قوله: أقسم فقال زفر -رحمه الله-: لا يكون يمينًا؛ لأنّ هذا وعد بأن يقسم بهذا اللّفظ، وأنّا نقول هذا اللّفظ عند القِران به ذكر اسم الله تعالى أو عند عدم القِران به يكون يمينًا فيستدل فيه بقوله تعالى: (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (١٨)} (٢) والاستثناء يكون في اليمين، وقال تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} (٣) وكذلك أحلف أو أحلف بالله (قال الله تعالى: (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ} (٤) وقال (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} (٥)، فدلّ أنّ كلّ واحد منهما يمين سواء ذكر قوله بالله أو اطلق؛ لأن الحلف في الظّاهر يكون بالله وكذلك قوله: أشهدا وأشهد بالله كلّ واحد منهما يمينٌ قال الله تعالى: (قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} (٦) إلى قوله: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} (٧) فقد سمّى شهادتهم يمينًا وقال (أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (٨) واللّعان يمين قال -عليه السلام-: «لولا الأيمان التي سبقت لكان لي ولها شأن» (٩). (ولأنّ قول الشاهد بين يدي القاضي أشهد في معنى اليمين، ولهذا عظم الوزر في شهادة الزّور؛ لأنّها بمعنى اليمين الغموس) كذا في المبسوط. (١٠)


(١) " قال: لا كفارة لها هذا قول القائل بقوله على يمين، أي تجب عليه الكفارة بقوله عليَّ يمين وإن نفى الكفّارة صريحًا بقوله؛ لأن قوله على يمين لما كان موجباً للكفارة، لا يفيد قوله لا كفارة أمّا بعد ذلك " سقط من (ب).
(٢) سورة القلم آية: (١٨).
(٣) سورة النحل آية: (٣٨).
(٤) سورة التوبة آية: (٩٦).
(٥) سورة التوبة آية: (٦٢).
(٦) سورة المنافقون آية: (١).
(٧) سورة المنافقون آية: (٢).
(٨) سورة النور آية: (٦).
(٩) عن عَمرِو ن شعيبٍ عن أَبِيهِ عن جدِّه أَنَّ رجُلًا من الْأَنْصَارِ من بني زريقٍ قذَف امرَأَتَهُ فأتى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فردَّدَ ذلِكَ عليهِ أربع مرَّاتٍ فأنزل الله آيةَ الْمُلَاعَنَةِ فقال رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَيْنَ السَّائِلُ قَدْ نَزَلَ مِنَ اللهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ» فأبى الرَّجُل إِلَّا أن يُلَاعِنها وأَبَت إِلَّا أن تَدرَأَ عن نفسِها العذاب فتلاعنا فقال رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَمَّا هِيَ تَجِيءُ بِهِ أُصَيْفِرَ أُخَيْنِسَ مَنْسُولَ الْعِظَامِ فَهُوَ لِلْمُلَاعِنْ، وَأَمَّا تَجِيءُ بِهِ أَسْوَدَ كَالْجَمَلِ الْأَوْرَقِ فَهُوَ لِغَيْرِهِ» فجاءت به أسود كالجمل الأَوْرَق فدعا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعله لعصبة أُمِّه وقال: «لَوْلَا الْأَيْمَانُ الَّتِي مَضَتْ لَكَانَ لِي فِيهِ كَذَا وَكَذَا» لَفظهما واحد.
انظر: سنن الدارقطني (٤/ ٤١٤)، كتاب النكاح، باب المهر، رقم (٣٧٠٣)، مسند الشاميين للطبراني (١/ ٢٨٨)، ما انتَهى إلَينا من مُسند ثَور بن يَزيد، رقم (٥٠١)، مسند الروياني (٢/ ٢٢١)، رقم (١٠٧٩)، المبسوط للسرخسي (٧/ ٥٥)، الإيماء إلى زوائد الأمالي والأجزاء (٤/ ٣٥٤)، رقم (٣٧٤١).
(١٠) انظر المبسوط للسرخسي (٧/ ٢٣).