للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأصح أن يقول: إن عمر -رضي الله عنه- لم يسوغ للأنصار هذا الاجتهاد حتى قال لزيد: أي عدو نفسه ما هذه الفتوى التي تقشعت عنك؟! فقال: سمعت عمومتي من الأنصار يقولون ذلك. فجمعهم عمر وسألهم وقالوا: كنا نفعل هذا على عهد رسول الله -عليه السلام- ولا نغتسل. فقال: أو كان يعلم به رسول الله؟ فقالوا: لا. فقال: ليس بشيء. وبعث إلى عائشة -رضي الله عنها- فسألها فقالت: فعلت ذلك مع رسول الله فاغتسلنا. فقال عمر لزيد: لئن عدت إلى هذا لأدبتك (١).

(وَكَذَا الإيلاجُ فِي الدُّبُرِ لِكَمَالِ السَّبَبِيَّةِ)

-قوله: (لكمال السببية) حتى إن الفسقة رجحوا قضاء الشهوة من الدبر على قضاء الشهوة من القبل، ومنه قوله تعالى خبرًا عن قوم لوط -عليه السلام-: {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود: ٧٩].

وقد ذكر الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن يوسف المرغاسوني (٢) في «نوادر الصلاة» عن محمد: إذا حاذى الأمرد رجلاً تفسد صلاة غير الأمرد؛ لأنه يخطر بباله الشهوة بهذه المحاذاة فكان الصبي فيه كالمرأة، وإليه أشار رسول الله -عليه السلام- في قوله: «لا تَجَالِسُوا أبْنَاءَ الأغْنِيَاءَ فِإنَّ لهم شَهْوةٌ كَشَهْوَةِ النِّسَاءِ» (٣). وفي ظاهر الرواية لا تفسد لا لاعتبار عدم الشهوة بل باعتبار أن الفساد بمحاذاة المرأة الرجل حكم ثبت بالسنة بخلاف القياس فلا يتعدى إلى محاذاة غير المرأة حتى أن كانت (٤) عجوزًا بحيث يتنفر عنها الرجال لو حاذت رجلاً فسدت صلاته مع عدم الشهوة، وكذلك لو حاذت امرأة ابنها أو أباها فسدت صلاة الرجل، ومعلوم أن المسلم لا يشتهي أمه، كذا ذكره الإمام المحبوبي في مسائل متفرقة من صلاة «الجامع الصغير».


(١) شرح معاني الآثار للطحاوي (١/ ٥٨، ٥٩) كتاب الطهارة، باب الذي يجامع ولا ينزل.
(٢) لم أجد له ترجمة في «التراجم والطبقات» ولكن ذكره صاحب كشف الظنون (٢/ ١٩٧٩) الإمام أبي بكر: محمد بن يوسف المرغاسوني له: نوادر الأصول في الفروع، ونوادر الصلاة.
(٣) رُوي ذلك عن أبي هريرة -رضي الله عنه- الكامل في الضعفاء (٦/ ١٢٨) قال عنه ابن عدي، باطل موضوع، وميزان الاعتدال (٣/ ٢١٥) قال الذهبي: هذا من بلايا عمر بن عمر والعسقلاني.
(٤) أضفته لاستقامة السياق.