للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما: أنّ الأمر يفيد الوجوب حقيقة، ولا وجوب قبل الحنث بالاتّفاق.

والثّاني: أنّ قوله فليكفر أمر بمطلق التّكفير، ولا يجوز مطلق التكفير إلا بعد الحنث، وأما قبل الحنث عنده فيجوز بالمال دون الصّوم، وليس هذا من باب التخصيص؛ لأن ما يكفر به ليس في لفظه، والتّخصيص في الملفوظ الذي له عموم دون ما ثبت بطريق الاقتضاء، والمعنى فيه أن مجرّد اليمين ليس بسبب لوجوب الكفارة؛ لأن أدنى حد درجات (١) السّبب أن يكون مؤدّيًا إلى الحكم طريقًا له، واليمينُ مانعةٌ من الحنث مُحَرِّمَةٌ له، فكيف تكون موجبةً لما يجب بعد الحنث؛ ولأن الكفّارة لا تجبُ إلا بعد ارتفاع اليمين، فإن بالحِنثِ اليَمِينُ يرتَفِعُ، وما يكون سببًا للشيء فالوُجُوُبُ يَوقَفُ على تَقَرُّرِهِ لا على ارتفاعهِ، والدّليل عليه أن اليمين ليست بسبب للتكفير بالصّوم حتّى لا يجوز أداؤه قبل الحنث، وبعد وجود السّبب الأداء جائز بدنيًا كان أو ماليًا.

ألا ترى أنّ صوم المسافر في رمضان يجوز لوجود السّبب، وإن كان الأداء متأخرا إلى أن يدرك عدّة من أيّام أخر؟ وإضافة الكفّارة إلى اليمين؛ لأنّها تجب بحنث بعد اليمين كما تضاف الكفّارة إلى الصّوم والإحرام بهذا الطريق؛ ولئن سلّمنا أن اليمين سبب؛ فالكفارة إنما تجب خَلَفًا عن البر الواجب باليمين؛ ليصير عند أدائها كأنّه تم على برّة، ولا معتبر بالخلف في حال بقاء الأصل.

[٤٢٤/ أ] وقبل الحنث ما هو الأصل باق وهو البر فلا تكون الكفارة خَلفًا كما لا يكون التيمم طهارة مع القدرة/ على الماء، يُقَرِّرُهُ أن الكفَّارةَ توبةٌ، كما قال الله تعالى في كفارة القتل: (تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ} (٢) والتّوبة قبل الذنب لا تكون، وهو في عقدِ اليمينِ يُعَظِّمُ حُرمَةَ اسم الله تعالى، وإنّما الذنب في هتك حرمة (٣) اسم الله بالحنث؛ فالتكفير قبل الحنث بمنزلة الطّهارة قبل الحدث، بخلاف كفّارة القتل فإنه جَزَاءُ جِنايَتِهِ، وجِنَايَتُهُ في الجَرحِ إذ لا صُنع له في زُهُوقِ الرُّوحِ.


(١) " درجات " زائدة في (أ). لأن أدنى حد السبب. كما في المبسوط (٨/ ١٤٨).
وفي (ب) ساقطة لفظة "حد" لأن أدنى درجات السبب. كما في تبيين الحقائق (٣/ ١١٣)، البناية (٦/ ١٣٧). وفي كلا الحالين لا يتغير المعنى وان اجتمعت اللفظتان فحسن، ويقال: لأن أدنى حد درجات السبب أن يكون مؤدّياً إلى الحكم.
(٢) سورة النساء آية: (٩٢).
(٣) هتك: الهَتْكُ: خرقُ السترِ عما وراءه.
انظر: الصحاح (٤/ ١٦١٦)، مقاييس اللغة (٦/ ٣٢).