للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبخلاف الزّكاة، فإنّه شكر للنّعمة، والنّعمة هي المال دون مضي الحول، فكان حولان الحول "باختلافه" (١) تأجيلًا فيه، والتأجِيلُ لا ينفي الوُجُوبَ، فكيف يَنفي تَقَرُّرَ السَّبَبِ؟) كذا في المبسوط (٢). لقوله -عليه السلام-: «من حلف على يمين» (٣) أي المقسم عليه وهو الفعل أو تركه واليمين مركبة من يقسم به وهو الله ومن يقسم عليه وهو (ليقتلن فلاناً) مثلاً فذكر ههنا الكل وأراد به البعض، أو أراد باليمين محلّه، وهو القتل وغيره فكان من قبيل إطلاق اسم الحال على المحل.

وهذا كقوله تعالى: (وَلَا تَجْعَلُوا عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} (٤) أي حاجزًا لما حلفتم عليه وسمّى المحلوف عليه يمينًا لتلبّسه باليمين كما قال النبي -عليه السلام- لعبد الرحمن بن سمرة: «إذا حلفت على يمين» (٥) الحديث. أي على شيء مما يحلف عليه.

(وقوله تعالى: (أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} (٦) عطف بيان لأيمانكم؛ أي للأمور المحلوف عليها التي هي البرّ والتّقوى والإصلاح بين النّاس) كذا في الكشاف (٧).

فليأت بالذي هو خير ثم ليكفر يمينه، وهما رواه الشّافعي فليكفر يمينه ثم ليأت بالذي هو خير، وقد ذكرنا قبيل هذا آنفًا أن ما روينا أولى لوجهين وقد ذكرناهما؛ ولأن فيما قلناه وهو تعقيب الكفارة عن الحنث؛ ولأن فيما قلناه وهو الإتيان بالكفارة بعد الحنث تفويت البر إلى جابر، وهو الكفارة لما أن الجابريقتضي سبق خلل المجبور، وهو خلل اليمين بالحنث فيما قلنا فَتَصلُحُ الكفارةُ جابرة، ولا جابر للمعصية في ضده الهاء راجعة إلى الموصول مع صلته وهو ما قلناه في قوله فيما قلناه أي لا جابر لمعصية الحنث فيما قاله الشّافعي -رحمه الله- لأن الحنث لما تأخر عن الكفارة لم تصلح الكفارة السّابقة جابرة لذلك الحنث؛ لأن الجابر لا يتقدم.

وعن هذا المعنى أخَّرَ سجدتا السّهو عن مقام السّهو إلى آخر الصّلاة مع أنّ العلّة يقتضي اتصال المعلول بها وجوباً وفعلًا؛ لما أنّه لو أتى بسجدتي السّهو حال سهوه ثمّ لو وقع سهو آخر بعده هل يسجد له أم لا؟ فإن سجد كان آتيًا بسجدتي السّهو مكررة وهو غير مشروع وإن لم يأت بهما بقي نقصان بلا جابر وهو أيضاً غير مشروع فصحّ ما ذكره شمس الأئمة السّرخسي -رحمه الله- في المبسوط (٨) بقوله: (فالتكفير قبل الحنث بمنزلة الطهارة قبل الحدث) فإنّه إذا تطهر وهو متوضئ ثم أحدث لا يجدي له الطّهارة المتقدّمة على الحدث في حق جواز الصّلاة وغيره؛ فكذلك ههنا.


(١) ساقط من (ب) وأيضاً في المبسوط (٨/ ١٤٩).
(٢) انظر: المبسوط للسرخسي (٨/ ١٤٨).
(٣) سبق ص (٢٤٦).
(٤) سورة البقرة آية: (٢٢٤).
(٥) سبق تخريجه ص (٢٧٣).
(٦) سورة البقرة آية: (٢٢٤).
(٧) تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٢٦٧).
(٨) انظر: المبسوط للسرخسي (٨/ ١٤٩).