للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنّه زاد على حرف الجواب فيجعل مبتدئًا، لا بائنًا على سؤاله تحرزًا عن إلغاء هذه الزّيادة، فإن قيل لا كذلك فإنّ الله تعالى قال: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (١٧) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (١٨)} (١) فقد زاد على قدر الجواب ومع ذلك جعل مجيبًا للسؤال لا مبتدئًا.

قلنا: كلمه [ما] تستعمل للسؤال عن الذّات؛ والسّؤال عن الصّفات فيما إذا استعمل في مقام السؤال، فاشتبه على موسى -عليه السلام- أن السؤال وقع عن الصّفة أو عن الذّات، فجمع بينهما ليكون مجيباً على كلّ حال إلى هذا أشار في الفوايد الظهيريّة (٢).

(ومن حلف لا يركب دابة فلان) إلى آخره، اعلم أنّ اسم الدّابة لغة تقع على كلّ ما يدب على وجه الأرض من الحيوانات أي يتحرك مشيًا، قال الله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (٣). ثم ذكر في المبسوط (٤) (ولو حلف لا يركب دابة فركب حمارًا أو فرسًا أو برذونًا (٥) أو بغلًا (٦) حنث، وكذلك إن ركب غيرها من الدّواب في القياس كالبعير والفيل؛ لأنّ اسم الدّابة يتناوله حقيقة وحكمًا فإنّ الدّابة ما يدب على الأرض. وفي الاستحسان لا يحنث، لعلمنا أنّه لم يرد التعميم في كل ما يدب على الأرض وقد عقد يمينه على فعل الركوب، فيتناول ما يركب من الدّواب في غالب البلدان وهو الخيل والبغال والحمير، وقد تأيَّدَ ذلك بقوله تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} (٧) فإنّما ذكر منه الركوب في هذه الأنواع الثلاثة، فأمّا في الأنعام فذكر منفعة الأكل بقوله (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} (٨) وبأن كان يركب الفيل والبعير في بعض الأوقات فذلك لا يدلّ على أنّ اليمين تناوله، ألا ترى أن البقر والجاموس (٩) يركب أيضًا في بعض المواضع ثمّ لا يفهم أحد من قول القائل ركب فلان دابة البقر؟ إلا أن ينوي جميع ذلك فيكون على ما نوى؛ لأنّه نوى حقيقة كلامه، وفيه تشديد عليه وإن عني الخيل وحدها لم يدين في الحكم؛ لأنّه نوى التّخصيص في لفظه العام، ولو قال: لا أركب ونوى الخيل وحدها، لم يُدَنْ في القضاء، ولا فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأن في لفظه فعل الركوب دون المركب، ونية التخصيص تصحّ في الملفوظ لا فيما لا لفظ له).


(١) سورة طه آية: (١٧ - ١٨).
(٢) انظر: العناية (٥/ ١١٤).
(٣) سورة هود آية: (٦).
(٤) انظر المبسوط للسرخسي (٩/ ١٢ - ١٣).
(٥) يطلق على غير العربي من الخيل والبغال، من الفصيلة الخيلية.
انظر: موسوعة الطير والحيوان في الحديث النبوي (ص: ٧٧).
(٦) البغل: وهو ابن الفرس من الحمار. انظر: المعجم الوسيط (١/ ٦٤)، حياة الحيوان الكبرى (١/ ٢٠٠).
(٧) سورة النحل آية: (٨).
(٨) سورة النحل آية: (٥).
(٩) الْجَامُوسُ: حَيَوَان أَهلِي من جنس الْبَقر. انظر: المصباح المنير (١/ ١٠٨)، المعجم الوسيط (١/ ٣٤).