للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأنّ النّذر موجب بنفسه وهو وفاء المنذور قال الله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (١) واليمين توجب (٢) للكفارة لمعنى في غيرها؛ وهو صيانة اسم الله تعالى عن الهتك، والهتك لا يتفاوت بين أن يكون في الطّاعة أو في المعصية، فوجبت الكفارة عند الهتك وإن كان انعقاد يمينه في المعصية، لوجود خاصيّة الشّحم فيه وهو الذّوب بالنّار فإنّ الشّحم كله يذوب بالنّار وشحم الظّهر أيضًا يذوب بالنّار فكان شحمًا.

وأمّا اللّحم فلا يذوب بالنّار، فيكون شحم الظّهر شحمًا، وأيّد ذلك صحّة الاستثناء في قوله تعالى: (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} (٣) والمستثنى من جنس المستثنى منه إلا أن في مسألة الشراء لا يحنث؛ لأن الشّراء لا يتم بالحالف وإنّما يكون مشتريًا للشّحم إذا اشترى ما يسمى بَايُعَهُ شَحَّامًا فأمّا الأكل يتم بالأكل وحده. ألا ترى أنّه لو حلف لا يشتري طعامًا فاشترى لحمًا لا يحنث وفي الأكل يحنث؟ وأبو حنيفة -رحمه الله- يقول ما على الظهر في عرف النّاس لا يسمّى شحمًا مطلقاً وإنّما سمّى لحمًا، ألا ترى أنّه يقال بالفارسيّة [فربهي لابيه]؟.

[٤٣٠/ ب] ويستعمل استعمال اللّحم في اتخاذ الباجات (٤) والقلايا (٥) ولا يستعمل استعمال الشّحم، وكما أنّ الله تعالى استثنى شحم الظهر فقد استثنى الحوايا (٦) وما اختلط بعظم/ وهو المخ (٧) واحد لا يقول أن اسم الشّحم يتناول ذلك وقد بيّنا أنّ الأيمان لا تبتني على الأسامي الشّرعية كذا في الجامع الصّغير لشمس الأئمة السّرخسي -رحمه الله- (٨) وذكر في الذّخيرة والصّحيح قول أبي حنيفة -رحمه الله-.

(القضم: الأكل بأطراف الأسنان من باب ليس منه، فإن قضم حنطة فأكلها: أي مضغها وكسرها وفي الحديث «أيدع يده في فيك تقضمها كأنها في فيِّ فحل») (٩) كذا في المغرب.


(١) سورة المائدة آية: (١).
(٢) " يوجب " في (أ) وفي (ب) " موجبٌ "
(٣) سورة الأنعام آية: (١٤٦).
(٤) الباجات هي: أَلوانُ الأَطعمة. انظر: تاج العروس (٥/ ٤٠٧)، (باج).
(٥) القلايا هي: إنضاج الطعام على المقلاة. انظر: البحث اللغوي عند العرب (١/ ٣٣١)، (قلا).
(٦) الحوايا هي: مَا تحَوَّى من الأمعاء. انظر: الصحاح (٦/ ٢٣٢٢)، (حوا)، المحكم والمحيط الأعظم (٤/ ٣٥)، (الحوية).
(٧) الْمُخُّ: الَّذي في العَظم.
انظر: الصحاح (١/ ٤٣٠)، مختار الصحاح (١/ ٢٩١)، (مخخ).
(٨) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ١٢٨).
(٩) انظر: المغرب (١/ ٣٨٧).
الحديث: عن صَفوَانُ بن يعلى بن أُمَيَّة، عن أبِيه، قال: غَزَوتُ مع النَّبي -صلى الله عليه وسلم- العُسرَةَ، قال: كان يَعلى يقول: تلك الغَزوَةُ أوثقُ أعمالي عندي، قال عَطاء: فقال صَفوان: قال يعلى: فكان لِي أجِيرٌ، فَقَاتَل إِنسَانًا فَعَضَّ أحدهما يد الآخر، قال عطاء: فلقد أخبرَني صَفوان: أيُّهما عَضَّ الآخَر فَنَسِيتُهُ، قال: فانتَزَع المَعْضُوضُ يَدَهُ من فِي العَاضِّ، فانتَزَع إِحدى ثَنِيَّتَيهِ، فأتيَا النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فأهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، قال عَطَاءٌ: وحَسِبتُ أنه قال: قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: «أفَيَدَعُ يده في فِيكَ تَقضَمُهَا، كأنَّها فِي فِيِّ فَحلٍ يَقضَمُهَا»
انظر: صحيح البخاري (٦/ ٣) كتاب المغازي، رقم (٦٤)، باب غَزوة تَبُوك وهي غزوةُ العُسرَة، رقم الحديث (٤٤١٧)، صحيح مسلم (٣/ ١٣٠١)، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، رقم (٢٨) باب الصَّائِل على نفس الإنسان أَو عُضوِهِ، إذا دَفَعَهُ المَصُول عليه، فأَتلَف نفسهُ أَو عُضوَهُ، لا ضمان عليه، رقم (٤)، رقم الحديث (١٦٧٤).
شرح محمد فؤاد عبد الباقي: (أردت أن تقضمها كما يقضم الفحل) أي تعض ذراعه بأطراف أسنانك كما يعض الجمل قال: أهل اللغة القضم بأطراف الأسنان.