للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ومن حلف لا يأكل هذه الحنطة، لم يحنث حتّى يقضمها) وإنّما وضع المسألة في الحنطة المعينة؛ لأنّه إذا عقد يمينه على أكل حنطة لا بعينها، ينبغي أن يكون الجواب على قول أبي حنيفة -رحمه الله- كالجواب عندهما (١) هكذا ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- في أيمان "الأصل" (٢) كذا في الذّخيرة والفوايد الظّهيريّة (٣).

ثم هذا الاختلاف الذي ذكر في قوله: لا يأكل هذه الحنطة فيما إذا أطلق ولم يكن له نية، وأمّا إذا حلف بهذه اليمين ونوى أن يأكلها حبًا كما هي من خبزها أو سويقها، لا يحنث بالإجماع؛ لأنّ المنوي حقيقة كلامه، فهو كالملفوظ فيتقيد اليمين بالحقيقة، وإن نوى أن لا يأكل ما يتخذ منها صحّت نيّته أيضًا، حتّى لا يحنث بأكل عينها، (وإن لم يكن له نية (فأكل من خبزها لم يحنث عند أبي حنيفة -رحمه الله- وعندهما يحنث» كذا في المبسوط (٤) والذّخيرة. ولأبي حنيفة -رحمه الله- إن عيَّنَها يؤكل مقليًا ومطبوخًا وكشكًا (٥) فاقتصرت يمينه عليها كمن حلف لا يأكل هذا الثمر فأكل عصيدة (٦) اتخذت منه، أو لا يأكل من هذه البقرة أو الشّاة فأكل من لبنها وزبدها وسمنها، أو لا يأكل من هذه البيضة فأكل من فرخها لا يحنث كذا ذكره الإمام التمرتاشي -رحمه الله- (٧) ولو قضمها بكسر الضاد وقد ذكرته يعني [خاييد مروبرا].

قوله: حنث عندهما هو الصّحيح احتراز عن رواية المبسوط فإنّه ذكر في المبسوط (٨) (أنّه لا يحنث) وما ذكره من الحنث فهو رواية الجامع الصّغير. ثم رجح في الذّخيرة والفوايد الظهيريّة رواية المبسوط فقال في الذّخيرة والصّحيح ما ذكره في أيمان "الأصل" (٩) وهو عدم الحنث عندهما بأكل عين الحنطة، ورجح في مبسوط شمس الأئمة والجامع الصّغير لقاضي خان -رحمهما الله- رواية الجامع الصّغير (١٠).


(١) أبي يُوسُف وَمُحَمّد -رحمهما الله-.
(٢) الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (٣/ ٢٩٥).
(٣) انظر: العناية (٥/ ١٢٥).
(٤) انظر: المبسوط للسرخسي (٨/ ١٨١).
(٥) الْكِشْكُ: مدقُوقُ الحِنطَةِ أو الشَّعِير يعمل مع اللبن، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَمِنْهُ) الْكِشْكِيَّةُ مِنْ الْمَرَقِ. وقيل ماء الشعير. انظر: المغرب (١/ ٤٠٩)، المطلع على ألفاظ المقنع (١/ ٤٧٣)، لسان العرب (١٠/ ٤٨١).
(٦) العصيدة هي: دَقيق يُلَتُّ بالسَّمن ويُطْبخ.
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (٣/ ٢٤٦)، الصحاح (٢/ ٥٠٩)، (عصد).
(٧) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ١٢٩).
(٨) انظر المبسوط للسرخسي (٨/ ١٨١).
(٩) الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (٣/ ٢٩٥).
(١٠) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ١٢٩).