للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم الغداء والعشاء ما يقصد به الشبع عادة (حتّى لو أكل لقمة أو لقمتين لا يحنث، ومقدار الغداء والعشاء أن يأكل أكثر من نصف الشّبع) (١) ويعتبر عادة أهل كل بلدة في حقّهم يعني إن كانت خبزًا فخبز وإن كانت لحمًا فلحم، حتّى أن الحضري لو حلف على ترك الغداء فشرب اللّبن، لم يحنث، والبدوي بخلافه (٢)، لأنّه غَدَاءٌ في البادية، ولو أكل غير الخبز من أرز أو تمر حتى شبع، لم يحنث، وقال أبو يوسف ومحمّد -رحمهما الله-: الغداء في مثل الكوفة والبصرة على الخبز لما بيّنا أنّ المعتبر هو العادة، وكذلك الهريسة (٣) والفالوذج يعتبر في ذلك عادة الحالف، والتَصَبُّحَ ما بين طلوع الفجر وبين ارتفاع الضّحى الأكبر؛ لأن التَصَبُّحَ تَفَعُّلٌ من الصّباح فيفيدُ زيادةً على ما يُفِيدُهُ الإصباح. وروي عن محمّد -رحمه الله- فيمن حلف لا يكلّمه إلى السّحر قال: إذا دخل ثلث الليل الأخير فكلّمه لم يحنث؛ لأنّ وقت السّحر ما قرب من الفجر وانتهت اليمين بدخول وقت السّحر. والمساء مساءان:

أحدهما: أنّه إذا زالت الشّمس، والآخر إذا غربت الشّمس.

فإذا حلف بعد الزّوال لا يفعل كذا حتى يمسي فهذا على غيبوبة الشّمس؛ لأنّه لا يمكن حمل اليمين على المساء الأولى، فيحمل على الثّاني كذا في الإيضاح (٤).

لم يُدَنْ في القضاء وغيره أي لا يصدق لا قضاء ولا ديانة؛ لأنّ النيّة إنّما تَصِحُّ في الملفوظ، والثّوب وما يضاهيه غير مذكور إلى آخره، فإن قيل: يشكل على هذا الأصل مسألتان:

أحداهما: قوله إن خرجت ونوى السّفر يصدَّق ديانةً مع أنّ السّفر أو الخروج غير مذكور لفظًا.

والثّانية: ما إذا حلف لا يساكن فلانًا، ونوى أن لا يساكنه في بيتٍ واحدٍ يصحّ نيّته مع أنّ المسكن غير مذكور، حتى لو ساكن معه في الدار لا يحنث.

قلنا أمّا المسألة الأولى: فممنوعةً، والمنع من القضاة الأربعة: هم القاضي أبو الهيثم (٥) والقاضي أبو حازم (٦) والقاضي أبو طاهر الدباس (٧) والقاضي القمي -رحمهم الله- (٨).


(١) سقط من (ب) والصواب ما في (أ).
(٢) أي يحنث.
(٣) الهريسة: من الهَرِيس الْحَبُّ الْمَدْقُوقُ بِالمِهرَاسِ قبل أن يُطبخ، فإذا طبخ فهو الهَريسة، وَسُمِّيَت الهريسة هريسةً لأن البُرَّ الذي هي منه يدق ثمَّ يطبخ.
انظر لسان العرب (٦/ ٢٤٧)، المصباح المنير (٢/ ٦٣٧)، (هرس).
(٤) انظر: بدائع الصنائع (٣/ ٦٩).
(٥) القاضي أبو الهيثم هو: عتبَة بن خثيمَةَ بن مُحَمَّد بن حَاتِم بن خثيمَةَ بن الْحسن بن عَوْف بن حَنْظَلَة النَّيْسَابُورِي الإِمَام القَاضِي أَبُو الْهَيْثَم الْمَشْهُور بكنيته أستاذ الْفُقَهَاء والقضاة عديم النظير في الْفِقْه والتدريس وَالْفَتْوَى تولى الْقَضَاء سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَلَاث مائَة إِلَى سنة خمس وَأَرْبع مائَة فأجراه لحسن مجْرى وَمَات في سادس عشر جمادي الْآخِرَة سنة سِتّ وَأَرْبع مائَة تفقه على الْأُسْتَاذ أبي الْحُسَيْن قَاضِي الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْحَاكِم فَصَارَ أوحد عصره حَتَّى لم يبْق بخراسان قاض على مذهب الكوفيّين إلَّا وهو ينتمي إليه -رحمه الله-.
انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٣٤٢)، سير أعلام النبلاء (١٢/ ٤٩٢).
(٦) القاضي أبو خازم هو: عبد الحميد بن عبد الْعَزِيز القَاضِي أَبُو خازم ذكره صَاحب الْهِدَايَة في الرَّهْن أَصله من الْبَصْرَة وَأخذ الْعلم عَن بكر الْعمي من الْعم هُوَ أَخ الْأَب، جليل الْقدر ولي الْقَضَاء بِالشَّام والكوفة والكرخ من مَدِينَة السَّلَام تفقه عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ وَأَبُو طَاهِر الدباس ولقيه أَبُو الْحسن الْكَرْخِي وَحضر مَجْلِسه وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى البردعي وَتَوَلَّى الْقَضَاء للمعتضد ثمَّ ابْنه المكتفي بعده وله معه قصص كثيرة مات سنة ثنتين وتسعين ومائتين، له من الكتب المحاضر والسجلات وكتاب أدب القاضي وكتاب الفرائض. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٢٩٦)، سير أعلام النبلاء (١٠/ ٥٢٣).
(٧) القاضي أبو طاهر الدباس هو: مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُفْيَان أَبُو طَاهِر الدباس الْفَقِيه قَالَ ابْن النجار إِمَام أهل الرَّأْي بالعراق درس الْفِقْه على القَاضِي أبي خازم صَاحب بكر القمي وكان من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة صَحِيح المعتقد تخرج بِهِ جمَاعَة من الْأَئِمَّة، وَمن أَقْرَان أبي الْحسن عبيد الله الْكَرْخِي أَبُو طَاهِر الدباس كان يُوصف بِالْحِفْظِ وَمَعْرِفَة الرِّوَايَات وَولي الْقَضَاء بِالشَّام وَخرج منها إلى مَكَّة فَمَات بها قال ابْن النجار وَذكر بعض الْعلمَاء أَنه ترك التدريس في آخر عمره وسافر إِلَى الْحجاز وجاور بِمَكَّة وَفرغ نَفسه لِلْعِبَادَةِ إِلَى أَن أَتَاهُ أَجله -رحمه الله-. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ١١٦)، الوافي بالوفيات (١/ ١٣٧).
(٨) القاضي القمي هو: الحسن بن العباس بن الحسن بن أبي الجن حُسين بن علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحُسين عليه السلام، القاضي أبو محمد الحُسينيُّ القُمِّيُّ، ولي قضاء دمشق من جهة قاضي الديار المصرية محمد بن النُّعمان الشيعي العُبَيْدي. وأصله من بَلَد قُم، فقدم أبوه الشام وسكن حَلَب، كان مقدماً أهل بيته ورئيسهم، وكان جوادا وصولا بارا بأهله -رضي الله عنه-. وتوفي القاضي أبو محمد بحلب في جمادى الاولى سنة أربعمائة ونقل الى دمشق ودفن بها.
انظر: تاريخ الإسلام (٨/ ٨١٣)، بغية الطلب في تاريخ حلب للعقيلي (٥/ ٢٤١٥).