للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: إذا أذن المولى لعبده والعبد لا يعلم يصحّ الإذن حتّى إذا علم يصير مأذونًا هذا هو أثر الصّحة والرواية في تتمة الفتاوى علم أنّ الإذن لا يحتاج إلى الإعلام.

قلنا: الإذن فك الحجر في حق العبد، والعبد يتصرف بأهلية نفسه ومالكيته، فيثبت بمجرّد الإذن، وأمّا في اليمين فلما حرم كلامه باليمين إلا عند الإذن صار الإذن مثبتًا لإباحة الكلام للحالف، فلابدّ من الإعلام لذلك.

(ولو حلف لا يكلمه شهرًا) إلى قوله بخلاف ما إذا قال والله لأصومن شهرًا فالإجارات والآجالُ نظير الكلام والاعتكافُ (١) نظيرُ الصّوم وحقيقة الفرق في هذه المسائل تبتني على شيئين:

أحدهما: أنّ الامتناع من كلام فلان يستطاع ليلًا ونهارًا مؤبّدًا ومؤقتًا، والصّيام والاعتكاف ليسا بهذه المثابة، فالأوّل يقع على الأبد نظرًا إلى نفي المسمّى وإمكان العمل بموجب هذا النّفي فيجب إخراج ما وراء الشّهر الذي يليه؛ لأنّ ما يلي اليمين من الزمان في الكلام موجود وما وراء الشّهر الذي يلي اليمين معدوم، ولا تعارض بين الموجود والمعدوم، فتعيّن الموجود مرارًا في حق نفي الكلام وهو الشّهر الذي يلي اليمين، فيبقى ما وراه (٢) على الحل الأصلي، وفي الصّيام والاعتكاف تعذّر إيقاعهما على الأبد؛ نظرًا إلى عدم الإمكان، فإنّ الليالي غير صالحة للصّوم ولاحتمال يمينه هذه أن تكون بعد الزّوال، أو بعدما أكل قبل الزّوال، وفي اللّيل، وذكر الشّهر على وجه التنكير فيقع على شهر لا بعينه، عملًا بالتنكير عند عدم إمكان التّأبيد.

والثّاني: أنّ التّأجيل بصفة التّأبيد يبطل البيع والإجارة، وكذلك التّأجيل والإجارة بصفة الإبهام فاسد، فلابدّ من التعيين تحرّزًا عن الفساد، فنقول: تعيين ما كان موجودًا أولى، وهو الزّمان الذي يلي الإجارة والتأجيل لما ذكرنا أنّه لا تعارض بين الموجود والمعدوم إلى هذا أشار في الفوائد الظهيريّة (٣)

[٤٣٤/ ب] عملًا بدلالة حاله وهي الغيظ الذي لحقه في الحال؛ لأنّه لو لم يذكر الشّهر لا يتأبد، إمّا لأنّه إثباتي، بخلاف قوله: لا يكلّمه فإنّه عدمي والعدمي يستغرق، بخلاف الإثباتي. ألا ترى أنّه كيف استغرق النّهي في قوله: لا يفعل ولا يستغرق الأمر في قوله افعل؟ وإمّا لأنّ الصّوم غير صالح للتأبيد لتخلّل الأوقات التي لا تصلح أن تكون محلاً/ للصّوم بخلاف الامتناع عن الكلام؛ فإنّ الأوقات كلّها سواء في حقّه، فكان ذِكرُه لتقدير الصّوم؛ فإنّه منكر فلم يتعيّن الشّهر الذي يلي اليمين، وبمثله إن تركت الصّوم شهرًا يتعيّن الشّهر الذي يليه ولو قال صوم شهر لا يتعيّن؛ لأنّ في الأوّل أدخل اللام فيه، فاقتضى ترك صوم العُمر فكان ذكر الشّهر لإخراج ما وراءه عن اليمين.


(١) الاعتكاف في اللغة: من عَكفَ على شيء يَعكفُ، ويَعكِفَ عكفًا وعُكوفًا: أقبل عليه مُوَاظِبًا لا ينصفُ عن وجهَهُ. والعُكُوفُ: الإقامةُ في المسجدِ. والاعتكافُ: الاحتباسُ. انظر: لسان العرب (٩/ ٣٠٤ - ٣٠٥)، (عكف). وعند الفقهاء: لبثُ صائمٍ في مسجدِ جماعةٍ بنيةٍ، وتفرّغُ القلبِ عن شغلِ الدنيا وتسليم النفسِ الى المولى. انظر: التعريفات (٣١).
(٢) في (ب) "وراءه".
(٣) انظر: العناية (٦/ ٢٧٦).