للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فلم يسقط اليمين مع إمكان إعادة الحياة؟

قلنا: لو أحياه الله تعالى كانت الحياة الثّانية غير الأولى؛ لأنّها عرض فلا يتصوّر إعادتها حقيقة، والحياة ليست بالرّوح فإنّ الله حي وليس له روح كذا نقل عن فوائد مولانا حميد الدين (١) -رحمه الله-.

(ومن حلف لا يكلّم عبد فلان ولم ينو عبدًا بعينه) إلى آخره.

الأصل في جنس هذه المسائل أن الحالف متى عقد يمينه على فعل في محلّ منسوب إلى الغير بالملك يراعى للحنث وجود النّسبة وقت وجود الفعل المحلوف عليه، ولا معتبر بالنّسبة وقت اليمين إذا لم يوجد وقت وجود الفعل المحلوف عليه، ومتى عقد يمينه على فعل في محلّ منسوب إلى الغير ولكن لا بالملك يراعي وجود النسبة وقت اليمين، ولا معتبر بالنّسبة وقت وجود الفعل المحلوف عليه.

مثال الأوّل: إذا حلف لا يدخل دار فلان، فباع فلان داره، ودخلها الحالف لا يحنث في يمينه، ولو اشترى فلان دارًا أخرى ودخلها الحالف يحنث في يمينه، وفلان دارًا أخرى ودخلها اعتبارًا للنّسبة وقت وجود الفعل المحلوف عليه.

ومثال الثّاني: إذا حلف لا يكلّم زوجة فلان، فأبان زوجته، وتزوج أخرى، أو حلف لا يكلّم صديق فلان، فعادى صديقه واتّخذ صديقاً آخر، فإن كلم الأوّل يحنث في يمينه وإن كلّم الثّاني لا يحنث في يمينه اعتبارًا للنّسبة وقت اليمين، ووجه الفرق فيه هو أن الحامل على اليمين في الفصل الأوّل معنى في مالك هذه الأشياء لا معنى في هذه الأشياء؛ لأنّ هذه الاشياء ممّا لا يعادي عادة لمعنى فيها.

وفي الفصل الثّاني الحامل على اليمين معنى في هؤلاء؛ لأن هؤلاء ممّا يهجر ويعادى عادة لمعنى فيهم، فإن الأذى متصوّر منهم فكانت النّسبة للتّعريف لا للتقييد بها.

[٤٣٥/ أ] فإن قيل: يشكل على هذا الفرق ما إذا حلف لا يكلّم عبد فلان فباع عبده واشترى عبدًا آخر، فإن كلّم الحالف العبد الأوّل لا يحنث في يمينه وإن كلّم/ العبد الثّاني يحنث في يمينه، مع أنّ العبد ممّن يقصد هجرانه (٢) لعينه؛ لأنّه آدمي ويتصوّر منه الأذى كما في الزّوجة والصّديق، (قلنا ذكر ابن سماعة (٣) في نوادره أن عند أبي حنيفة -رحمه الله- في العبد يحنث لهذا، ووجه ظاهر الرواية: أن العبد مملوك ساقط المنزلة عند الأحرار فالظّاهر أنّه إذا كان الأذى منه لا يقصد هجرانه باليمين؛ ولا يجعل له هذه المنزلة، ولكن إنّما يحلف إذا كان الأذى من ملكه) كذا في المبسوط (٤)


(١) سبق ترجمته ص (٨٨).
(٢) هِجرَانَه: الهَجرُ: خِلافُ الوَصلِ يُقالُ هَجَرَ أخاه إذا صَرَمَهُ وقطع كلامُهُ.
انظر: المغرب (١/ ٥٠٠)، مختار الصحاح (١/ ٣٢٤)، (هجر).
(٣) هو محمد بن سماعة بن عبيد الله الكوفي الحنفي، العلاّمة، قاضي بغداد. حدّث عن: الليث، والمسيب بن شريك وغيرهما. روى عنه: محمد بن عمران الظبِّي، والحسن بن محمد الوشّاء وعِدّة. توفي سنة (٢٣٣ هـ) ومن آثاره: أدب القاضي، والمحاضرات والسجلاّتُ، والنوادر.
انظر: سير أعلام النبلاء (١٠/ ١٤٦ - ١٤٧)، الأعلام: (٦/ ١٥٣).
(٤) انظر المبسوط للسرخسي (٨/ ١٦٥).