للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا الشّرط: إذا كان لتحقيق الجزاء في نفسه يجب أن يكون هو صالحًا لذلك الجزاء، وذكر شمس الأئمة السّرخسي -رحمه الله- في الجامع الصّغير (١) فكان تقدير كلامه ههنا إذا ولَدَت وَلَدًا حَيًّا؛ لأنّه جازاه بالحرية ولا يجاري به إلا الحي فكانت صفة الحيوة فيه ثابتة بمقتضى كلامه فينزل ذلك بمنزلة الملفوظ، وهذا لأنّ كلام العاقل محمول على الصحّة والفائدة وذلك لا يتحقق بدون إضمار الحيوة في كلامه.

ألا ترى أنّه لو قال: إذا ولدت ولدًا ميتًا فهو حرّ كان ذلك لغوًا منه بخلاف ما تقدّم فإنّه لا حاجة إلى إضمار الحيوة هناك، ألا ترى أنّه لو صرّح بالولد الميّت كان التّعليق صحيحًا.

فإن قلت: يشكل على هذا ما لو قال إذا اشتريت عبدًا فهو حرّ فاشترى عبدًا لغيره، انحلت اليمين حتّى إذا اشترى بعد ذلك عبدًا لنفسه لم يعتق، مع أنّه جعل اشتراء العبد شرطًا لحريّةِ ذلك العبد المشترى، فلم يقبض ذلك إضمار أن يكون الاشتراء لنفسه حتّى يصلح هو لتحقيق ذلك الجزاء الذي علّقه بالاشتراء وهو الحرية فإنّه كما يشترط للحريّة الحيوة فكذلك يشترط لها الملك.

[٤٣٧/ أ] قلت: الفرق بينهما ثابت وهو أنّ الإضمار لتصحيح الكلام ولا حاجة هنا إلى إضمار المِلك حَسب حاجته إلى إضمار الحيوة، لما أن المشتري لغيره محلٌّ لإيجاب العتق له، وإن كان يتوقف نفوذه على إجازة المالك، والإضمَارُ لِتَصحِيحِ الكلام لا لِنُزُولِ الجزاء، فلم يُضمَرُ المِلك لصحّة الجزاء/ بدونه بخلاف الحيوة فإن تحريرا ما لا يتصوّر بدون الحيوة لا بطريق التوقّف ولا بطريق النفوذ فوجب إضمارها لتصحيح الكلام لا محالة إلى هذا أشار شمس الأئمّة السّرخسي -رحمه الله- في الجامع الصّغير (٢).

وإن كان (٣) (قال: أوّل عبد أشتريه وحده فهو حرّ عتق الثّالث)، فإن قلت ما الفرق بين قوله وحده وبين قوله واحدًا حيث لا يعتق الثّالث في قوله أول عبدًا ملكه واحدًا فهو حرّ ويعتق الثّالث في قوله وحده مع أن معنى التفرّد فيهما على طريقة واحدة.

قلت: لا نُسلِّم كون التفرّد فيهما على طريقةٍ واحدةٍ فإنّ قوله: وحده يقتضي الانفراد في الفعل المقرون به وقوله واحدًا يقتضي الانفراد في الذّات وعن هذا وقع الفرق بينهما بالصّدق والكذب في قول القائل في الدّار رجل واحد وقال في الدّار رجل واحده فإن في قوله في الدّار رجل واحد لو كان معه امرأة أو صبي كان المتكلّم صادق، وفي قوله: في الدّار رجل وحده لو كان معه صبي أو امرأة كان كاذباً، وكذلك لو قال ما في الدار رجل واحد وفيها رجلان كان كاذباً، ولو قال ما فيها رجل وحده وفيها رجلان كان صادقاً وذكر الإمام قاضي خان -رحمه الله- في الجامع الكبير (٤) أنّ قوله وحده يقتضي الانفراد في الفعل المقرون به دون الذّات فلذلك وقع الفرق بالصّدق والكذب فيما أريناك من النظير؛ لأنّ قوله وحده يقتضي نفي المشاركة في الفعل وهو الكينونة في الدّار.


(١) انظر: بدائع الصنائع (٤/ ٦٦).
(٢) انظر: العناية (٥/ ١٦٢).
(٣) "كان" ساقطة من (ب).
(٤) انظر: المحيط البرهاني (٤/ ١٦).