للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: واحدًا يقتضي نفي المشاركة في الذّات، فإذا ثبت هذا فنقول ففي قوله واحد أضاف العتق إلى أوّل عبد مطلق فيراعي الأولية في الذّات وذلك بالسّبق والانفراد ولم يوجد.

وفي قوله: وحده أضاف العتق إلى أوّل عبد لا يشارك غيره في التملّك والثالث بهذه الصّفة وحقيقة المعنى ما ذكره شمس الأئمة السّرخسي -رحمه الله- في الجامع الكبير (١) وقال فإن قوله وحده ليس بصفة للعبد، ولكنّه بيان للحال وهو أن يكون دخوله في ملكه وحده وقد تحقّق هذا في العبد الثّالث فيعتق كمن يقول أوّل عبد أملكه شراء فهو حرّ فوهب له عبدان ثم اشترى ثالثاً عتق هذا الثّالث وهذا تَفَرَّعَ (٢) إلى مسئلةٍ قالها النّحويون وهي أن من حقّ الحال أن يكون نكره (٣).

وقال وحده في قوله مررت به وحده وقع حالاً وإن كان معرفة صوره لإضافته إلى الضّمير لما أنّه قام مقام النكرة، فإنّ معنى قوله مررت به وحده مررتُ بهِ يَحِدُ وَحدَهُ فقوله يَحِدُ جمله في موضع الحال، وقوله: وحده قايم مقام (٤) فأخذ حكمه في التنكير فيرجع معناه إلى قوله منفردًا في وقت المرور، فكذلك ههنا معناه منفردًا وقت التملك.

فقوله: وحده بيان هيئه المفعول؛ كما في قوله مررت به وحده والثّالث بهذه الصّفة فيعتق، بخلاف قوله: واحدًا فإنّه صفة للعبد فيقال عبدٌ واحدٌ، وهذا الإفراد ثابت بقوله أول عبد فهذا لا يفيد إلا ما أفاده لفظ الأول، (ويعتبر من جميع المال) أي إذا كان الشراء وقت الصحّة وعندهما على كل حال فكان الشّرط وهو عدم شراء غيره متحقّقًا عند الموت، فصار كأنّه صرّح بذلك وقال للعبد الثّاني إن لم أشتر عليك عبدًا فأنت حر إذ لا فرق بينهما في المعنى فإن صفة الآخرية إنّما يتحقّق فيه إذا لم يشتر غيره، فصار كأنّه صرّح بذلك وثمة يعتق مقصوراً على الموت بالاتفاق، فكذا ههنا لأنه في معناه.

[٤٣٧/ ب] وفرق أبو حنيفة -رحمه الله- بين هذه الصورة وبين مسئلة الكتاب فقال: ففي تلك الصّورة جعل شرط العتق عدم الشراء منه في عمره، وذلك لا يتحقّق منه إلا بموته، وههنا جعل الشرط شراء عبد هو آخر شراء وقد وجد ذلك، كما لو اشتراه، وهذا لأنّه لما اشترى الثّاني بعد الأوّل يثبت صفة الآخرية فيه ولكن هذا الوصف يعرض أن يزول عنه بشراء غيره، فلا يحكم بعتقه ما لم يَتَيَقَّن فإذا مات ولم يشتر غير الثّاني لم يبطل صفة الأخرية منه، فيعتق من ذلك الوقت، كما لو قال لأمته إذا حِضتِ فأنتِ حُرَّةٌ فرأت الدّم لا تَعتِق لِجوازِ أن ينقطع الدم فيما دون ثلاثة أيّام، فإن استمرّ بها الدّم ثلاثة أيّام عتقت من حين رأت الدّم؛ لأنّه تبين أن ما رأته كان حيضاً حين رأت الدّم إلى/ هذا أشار الإمام السّرخسي -رحمه الله- (٥).


(١) انظر: البحر الرائق (٤/ ٣٧١).
(٢) في (ب) " يَنَزِعُ " وما في المتن هو الصواب.
(٣) المسئلة هي: والحال إن عرف لفظا فاعتقد … تنكيره معنى كـ"وحدك اجتهد"
وأسرعوا خمستهم" قد نقلا … بالنصب حالا، وبرفع بدلا
"ش": حق الحال أن يكون نكرة. انظر: شرح الكافية الشافية (٢/ ٧٣٤).
(٤) في (ب) "مقامه" وهي الصواب.
(٥) انظر: المبسوط للسرخسي (٣/ ٢١٣).