للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى هذا الخِلاف تعليق الطّلقات الثّلاث وفائدته تظهر في جريان الإرث وعدمه

فإنّه إذا قال آخر امرأة أتزوّجها فهي طالق ثلاثاً فتزوج امرأة ثم امرأة ثم مات عندهما يقع الطّلاق مقصوراً على الموت حتّى يستحق الميراث وعند أبي حنيفة -رحمه الله- يقع مستندًا إلى وقت التزوّج فلا يستحق فإنّه لما كان وقوع الطّلاق عند أبي حنيفة -رحمه الله- من وقت التزوّج وقد دخل بها كان لها المهر ونصف المهر وعدّتها بالحيض (١) بلا حِداد ولا ترث منه وعندهما تطلق في آخر حياته ولها مهرٌ واحد وعليها عدّة الطّلاق والوفاة وترث منه، وإن كان الطّلاق رجعياً فعليها عدّة الوفاه.

ولو قال آخر امرأة أتزوّجها طالق فتزوّج امرأة ثم أخرى ثم طلق الأولى وتزوّجها ثم مات لم تطلق وطلقت التي تزوّجها مرّة؛ لأن التي أعاد عليها التزوّج اتصفت بكونها آخراً كقوله آخر عبد أضربه حرّ فضرب عبدًا ثم آخر ثم أعاد الضّرب على الأوّل ثم مات عتق الذي ضربه مرة كذا ذكره الإمام قاضي خان والإمام التمرتاشي -رحمهما الله- (٢).

وتقييد الثّلاث جاز أن يكون لبيان الطّلاق الباين فإن في الطّلاق الباين يكون الزّوج فاراً عندهما فترث المرأة، ويشترط كونه ساراً بالعرف، وإنّما قيّد بالعرف لأنّ البشارة اسم لخبر غاب عن المخبر علمه سميت بذلك؛ لأنّه يتغير بها بشرة الوجه.

ألا ترى إلى قوله تعالى: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (٣) ولكنّ الأوّل وهو كونه اسمًا لخبر سار صدق غاب عن المخبر علمه تعين عرفاً وهو لا يتكرّر فهو على هذا التّفسير وجد من الأوّل دون الثّاني، بخلاف الخبر؛ فإنه لا يشترط فيه أن لا يكون المخبر به عالماً.

وأصله ما روي أنّ النبي -عليه السلام- مر بابن مسعود -رضي الله عنه- وهو يقرأ القرآن فقال: «من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد» فابتدر إليه أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- بالبشارة فسبق أبو بكر عمر بها فكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول متى ذكر ذلك بشّرني أبو بكر وأخبرني عمر (٤) كذا في الفوائد الظهيريّة (٥)


(١) الحيضُ في اللغة: السيلانُ، يقالُ: حَاضت المرأةُ حيضاً ومَحَضاً: إذا سال الدَّمُ منها في أوقات معلومةٍ، والجمعُ: حوائض وحُيَّض. انظر: لسان العرب (٧/ ١٦٠)، (حيض).
وعند الفقهاء: اسم لدم مخصوص، وهو أن يكون ممتداً خارجاً من موضعٍ مخصوص، وهو القُبُل الذي هو موضعُ الولادةِ والمُبَاضعةِ بصفةٍ مخصوصةٍ.
انظر: المبسوط للسرخسي (٣/ ١٣٦).
(٢) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ١٤٣).
(٣) سورة آل عمران آية: (٢١).
(٤) أخرجه أبو يعلى (١/ ٢٦)، مسند ابي بكر الصديق -رضي الله عنه-، رقم (١٦)، وابن ماجه (١/ ١٤٩)، فضل عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-، رقم (١٣٨)، وأحمد ١ مخرجا (٧/ ٢٨٧)، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-، رقم (٤٢٥٥)، والطيالسي (١/ ٢٦١)، مسند عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-، رقم (٣٣٢)، كلهم من حديث ابن مسعود.
ومداره على عاصم بن أبي النجود، وهو صدوق له أوهام، وحديثه في الصحيحين مقرون ا هـ التقريب.
وتوبع في رواية أحمد (١/ ٣٨٦ - ٤٠٠ - ٤٣٧) من طريق شعبة عن السبيعي عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، وفيه انقطاع أبو عبيدة لم يسمع من أبيه. وود مختصرا من حديث أبي هريرة. أخرجه أبو يعلى (٦١٠٦)، وأحمد (٢/ ٤٤٦)، وابن حبان في المجروحين (١/ ٢٢٠) كلهم من طريق جرير بن أيوب، وهو رواه.
قال الهيثمي في المجمع (٩/ ٢٨٨): جرير بن أيوب متروك.
الخلاصة: فالحديث بمجموع هذه الطرق لا ينحط عن درجة الحسن. وفي رواية: "قال عمر: فسبقني أبو بكر فبشره"
قلت: ومن هذا اللفظ يفهم أن البشارة تكون من الأول.
وأما كلام ابن مسعود الأخير فلم أره، وتقدم ما يدل عليه والله أعلم.
(٥) انظر: العناية (٥/ ١٦٥).