للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كان كذلك كان تصحيحه بإدراج الملك؛ إنّما كان في حق نفسه وهو تصحيح الشّرط لا تصحيح الجزاء فلم يظهر الملك في حَقِّ صِحَّةِ الجَزَاءِ وهو حُرِّيَّةُ الجارية التي تسراها، فلما لم يظهر الملك في حق صحّة إضافة العتق إلى التَّسَرِّي لم يكن عتق هذه الأمة في الملك ولا مضافاً إلى سبب الملك فلا يصحّ اليمين في حقها فلا يعتق، فإن قلتَ لِمَ لَمْ يُقَيَّدْ التَّسَرِّي ههنا بِملكِ الرّقبةِ بدلالةِ قوله فهي حرّة كما يقيد الولد بكونه حياً في قوله: إذا ولدت ولدًا بدلالة قوله: فهو حرّ على قول أبي حنيفة -رحمه الله- وما الفرق بينهما؟

قلت: تثبت الحيوة ثمة لأجل صحّة العتق في الولد وهو شرط، فكذلك ههنا أثبتنا الملك لأجل

صحّة التَّسَرِّي وهو شرط فلا يظهر في حقّ العتق؛ لأنّ التَّسَرِّي ليس بسبب للملك، فلذلك لا يظهر العتق في الجارية التي اشترى؛ لأنّ قصد الحالف عدم العتق؛ لأنّ مثل هذا الشّرط إنما يذكر في منع نفسه من الإقدام بخلاف قوله: إذا ولدت ولدًا فهو حرّ، فمقصوده إثبات الحريّة؛ لأنّ مثل ذلك الشّرط إنّما يذكر للتّحريض على الولادة غير أنّ الحرية لا تتحقّق إلا في الحي فاشترط الحياة.

وكذلك ههنا يشترط الملك لصحّة التَّسَرِّي لا بصحّة الجزاء وهو الحرية؛ لأنّ ثبوت الملك في التَّسَرِّي بطريق الضرورة فلا يتعدّى اشتراط الملك فيه إلى صحة الجزاء.

وأمّا قوله لأجنبيّة إن طلقتك فعبدي حر إثبات التزوّج لأجل تصحيح الشّرط وهو قوله إن طلقتك لا لوقوع الجزاء وهو الحريّة فصار كما إذا قال لعبده إذا تزوجت امرأة فأنت حرّ فلم يكن مسألة الطّلاق وزان مسألة التَّسَرِّي؛ لأن الخصم أدرج الملك لأجل تصحيح الجزاء لا لأجل تصحيح الشّرط، ولا وجه لما قاله زفر -رحمه الله- وهو قوله إن تسريت بمنزلة قوله إن ملكتك ثم تسريت؛ لأنّه لو كان كذلك يجب أن لا يعتق الجارية التي كانت مملوكةً له وقت الحلف؛ لأنّه لم يملكها بعد الحلف، وقال: إن ملكت إنّما يتناول لما يملك بعد الحلف.

قوله: حتّى لو قال لها إن طلقتك فأنت طالق ثلاثاً فتزوجها وطلّقها لا تطلق ثلاثاً لأنّ الملك الضّروري لم يتعدّ إلى الجزاء، فأمّا العتق فيما ذكره إنّما صحّ لقيام الملك في الحال كذا ذكره فخر الإسلام -رحمه الله- (١).

وحاصله أنّ اليمين إنما يعقد باعتبار الملك القائم في الحال، ولا ينصرّف إلى ما سيوجد من الملك إلا بالإضافة إليه أو إلى سببه وكلاهما لم يوجد فيما نحن فيه والملك لو صار مذكوراً إنّما يصير مذكوراً ضرورة صحّة التَّسَرِّي فصار الملك ههنا شرط التَّسَرِّي، والتَّسَرِّي شرط العتق وما كان شرط الشّرط لا يجعل مذكوراً في حق الجزاء المذكور، حتّى لو قال لأجنبيّة إن دخلت الدّار فأنت طالق فتزوّجها ثمّ دخلت لم تطلق فلا يجعل بمعنى إن تزوجتك ودخلت الدّار فأنت طالق.


(١) انظر: العناية (٥/ ١٧١).