للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: (كيلا (١) يتجرأ الظَّلمة على أخذ أموال النَّاس).

فإنْ قيل: كيف يجوز هذا، وهُم، لو أخذوا، كان أخذهم في موضعه لكونه واجبًا؟

قلنا: المعنى من ذلك أنَّا لو أفتينا بذلك يدَّعي كلُّ ظالِم في أرض ليس هذا شأنها، كانت هي قبل هذا يُزرع الزعفران والزّراجين (٢) فيؤخذ منها خَراج الزعفران أو الزّراجين، وهذا منهم طَمَع في غير مطمَع، فيكون هذا ظُلمًا وعدوانًا (٣)؛ كذا في الفوائد الظهيرية.

(ومن أسلم من أهل الخراج أخذ منه الخراج على حاله) بخلاف الجزية على ما يجيء. وقال مالك: يسقُط ذلك أيضًا (٤). وكذلك إذا باعها من مسلم، واعتبر خراج الأرض بخراج الرَّأس، فكَما لا يجب على المسلم بعد إسلامه ذلك، فكذلك خراج الأرض. ولكنَّا نقول: الخراج مُؤنة الأرض النَّامية كالعُشر، والمسلم من أهل التزام المؤنَة، وهذا لأنَّه بعد الإسلام لا تُخلَّى أرضُه عن مؤنَة، فإبقاء ما تقدَّر واجبًا أولى لأنَّاإنْ أسقطنا ذلكاحتجْنا إلى إيجاب العُشر بخلاف خراج الرَّأس، وإنَّا لو أسقَطنا ذلك عنه بعد إسلامه لا يحتاج إلى إيجاب مؤنة أخرى عليه.


(١) في (ب) "لئلا".
(٢) الزراجين: جمع زرجون بفتحتين وهو شجر العنب وقيل قضبانه. المغرب في ترتيب المعرب (ص: ٢٠٧).
(٣) ينظر العناية شرح الهداية (٦/ ٤٠)، البناية شرح الهداية (٧/ ٢٣٤).
(٤) اتفق الفقهاء على أنّ الخراج العنوي لا يسقط عن الأرض الخراجية بإسلام صاحبها ولا بانتقالها إلى مسلم لأنّ الأرض المفتوحة عنوة موقوفة على جميع المسلمين، والخراج المضروب عليها بمثابة الأجرة فلا يسقط بإسلام من بيده هذه الأرض ولا بانتقالها إلى مسلم.
واختلفوا في الخراج الصلحي (المضروبعلى الأرض التي صالح المسلمون أهلها على أن لهم الأرض وللمسلمين الخراج) هل يسقط بعد إسلام صاحبها، أو انتقالها إلى مسلم،
فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى سقوط الخراج الصلحي إذا أسلم صاحب الأرض، أو انتقلت إلى مسلم، لما روى العلاء بن الحضرمي قال: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى البحرين، أو إلى هجر، فكنت آتي الحائط يكون بين الإخوة يسلم أحدهم، فآخذ من المسلم العشر، ومن المشرك الخراج، ولأن الخراج الصلحي بمثابة الجزية التي تتعلق بالكفر، فإذا زال الكفر سقط الخراج كما تسقط الجزية.
وذهب الحنفية إلى عدم سقوط الخراج الصُّلحي قياسًا على الخراج العنوي؛ ولأنّالخراج مؤنة الأرض، والأصل فيها أنّها لا تتغير بتبدل المالك إلا لضرورة، فإذا أسلم صاحب الأرض الخراجية أو باعها من مسلم فلا ضرورة، لتغير المؤنة؛ لأنّ المسلم من أهل وجوب الخراج - أي في الجملة.
ينظر: مواهب الجليل ٢/ ٢٧٨، الكافي ١/ ٤٨٢، الماوردي: الأحكام السلطانية ص ١٤٧، رحمة الأمة على هامش الميزان ٢/ ١٧٤، الأحكام السلطانية ص ١٦٩، المغني ٢/ ٧٢٥. والمبسوط ١٠/ ٨٠، فتح القدير ٥/ ٢٨٥، تبيين الحقائق ٣/ ٢٧١، الخراج ص ٦٣، ٦٩، بدائع الصنائع ٢/ ٩٢٨.