للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن كانت إزالة الجهالة بيدهما.

قلنا: إنما فسد البيع بالرقم؛ لأن فيه زيادة جهالة تمكنت في صلب العقد، وهو جهالة الثمن بسبب رقم لا يعلمه المشتري، فصار هو بسببه (١) بمنْزلة القمار؛ لأنه يحتمل أن يبين البائع قدر الرقم بعشرة دراهم، أو أكثر، أو أقل، وعن هذا قال الشيخ [شمس الأئمة] (٢) الإمام الحلواني (٣) -رحمه الله-: وإن علم بالرقم في المجلس لا ينقلب ذلك العقد جائزاً، ولكن إن كان البائع دائماً على ذلك الرضى فرضي به المشتري ينعقد بينهما عقد ابتداء التراضي، هكذا ذكر في نوع جهالة المبيع والثمن في الفصل السادس من بيوع الذخيرة (٤).

وأما مسألتنا قدر المبيع الذي هو الصبرة كما يعلم بكيل البائع فكذلك يعلم بكيل المشتري فكان إزالة الجهالة بيدهما فيحوز، وأما جواب أبي حنيفة رحمه الله من:

(بيع عبد من عبدين)

أن القياس فيه الفساد أيضاً، إلا أنا جوزناه استحساناً بالنص، وأصل هذه المسألة من الطرفين ما ذكره في المبسوط، في باب البيوع الفاسدة، من كتاب البيوع فقال: "والأصل عند أبي حنيفة -رحمه الله- أنه متى أضاف كلمة كل (إلى) (٥) (٦) ما لم يعلم منتهاه فإنما يتناول أدناه، وهو الواحد، كما لو قال: لفلان عليَّ كل درهم يلزمه درهم واحد، وكذلك إذا اشترى صبرة (٧) من حنطة كل قفيز بدرهم، وكذا إذا أجّر داره كل شهر (بدرهم) (٨) يلزم العقد في شهر واحد عند أبي حنيفة -رحمه الله-، وإذا كفل بنفقة امرأة عن زوجها كل شهر فإنما يلزم ذلك في شهر واحد عند أبي حنيفة -رحمه الله-، وعندهما هو كذلك فيما لا يكون منتهاه معلوماً بالإشارة إليه، فأما فيما يعلم جملته بالإشارة فالعقد يتناول الكل، كما لو كان معلوم الجنس بالتسمية؛ لأن الإشارة أبلغ من (٩) التعريف في (١٠) التسمية، فإذا عرفنا هذا الأصل فنقول ههنا: الجملة معلومة بالإشارة، فيجوز العقد في الكل عندهما، ولا جهالة في ثمن كل واحد منهما، والجهالة التي في جملة الثمن لا تفضي إلى المنازعة؛ لأنها ترتفع بالعد وهو عدّ المشار إليه، وعند أبي حنيفة -رحمه الله (١١) - لما لم يكن العد معلوماً عند العقد قائماً يتناول العقد واحداً من الجملة، وبيع شاه من القطيع لا يجوز؛ لأنها متفاوتة، وإن كانت العبرة للإشارة، فثمن جميع ما أشار إليه عند العقد مجهول، وجهالة مقدار الثمن يمنع صحة العقد، وما هو شرط العقد إذا انعدم عند العقد، يفسد العقد ولا يعتبر، فكان إيجاده في الثاني كشرط الشهود في النكاح، وعلى هذا لو باع صبرة حنطة كل قفيز منهما بدرهم إلا (١٢) أبا حنيفة -رحمه الله- قال:


(١) "يشبه" في (ب).
(٢) في (ب).
(٣) أبو محمد، عبدالعزيز بن أحمد بن نصر بن صالح، شمس الأئمة، الحلواني، البخاري، نسب إلى الحلاة شمس الأئمة الحلواني؛ ولأن أباه كان يبيع الحلوى ويعطي الفقهاء ويقول: أدعو لابني فنال ابنه ما نال، توفي سنة ببخارى سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وقيل: ست وخمسين وأربعمائة. الفوائد البهية ١٦٣ - ١٦٤، سير أعلام النبلاء (ج ١٨: ص ١٧٧).
(٤) المحيط البرهاني (٦/ ٣٦٨)، الدر المختار (٤/ ٥١٤).
(٥) في (ب).
(٦) "لا" سقط من (ب)، والأصح إسقاطها حتى يستقيم الكلام.
(٧) سقط من (ب).
(٨) في (ب).
(٩) "في" في (ب).
(١٠) "من" زيادة في (ب).
(١١) سقط من (ب).
(١٢) في (ب).