للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الوجه الرابع هو: الإباق والسرقة والبول في الفراش والجنون، فالقاضي لا يسمع دعوى المشتري حتى يثبت وجود هذه العيوب عند المشتري، إلا أن الإباق والسرقة والبول في الفراش يعتبر مع ذلك اتحاد الحالة لصحة الدعوى، وفي الجنون لا يشترط اتحاد الحالة لما ذكرنا، فإن أقام المشتري بينة أنه أبق عنده، أو جنَّ، أو سرق، أو بال، سمع دعواه، ويقول القاضي للبائع: هل كان كذا -هذا العيب- عندك في الحالة التي كانت عند المشتري؟؛ إن قال: نعم، رده عليه، إلا إذا ادعى الرضا أو الإبراء، وإن أنكر أن يكون عنده، أو ادعى الاختلاف في الحالة في الإباق والبول في الفراش والسرقة، يقول القاضي للمشتري: ألك بينة؟، فإن أقامها عليه، رده عليه، إلا إذا ادعى الرضا أو الإبراء، وإن لم يكن له بينة على ذلك يستحلف البائع على البتات لما ذكرنا.

حتى يقم المشتري بالبينة أنه أبق عنده أي (١): عند المشتري.

(والمراد التحليف على أنه لم يأبق عنده)

أي: عند البائع، واعلم بأنه قيام العيب في الحال شرط لاستماع الخصومة.

فإن قيل: أي فرق بين هذا وبين الدَّين، فإن من ادعى على آخر ديناً وأنكر المدعى عليه قيام الدين فالقاضي يأمر المدعي عليه بالجواب/ وإن لم يثبت قيام الدين في الحال، وكما أن السلامة عن العيب أصل، والعيب عارض، فكذلك سلامة الذمم عن الدين أصل والشغل (٢) عارض (٣).

قلنا: "الفرق بينهما هو أن قيام الدين في الحال، لو كان شرطاً لاستماع الخصومة لا يتوسل (٤) المدعى إلى إحياء حقه عسى؛ لأنه ربما لا يكون له بينة أصلاً، أو كانت له بينة لكنه لا يقدر على إقامتها، إما لموتهم، أو لغيبتهم، وأما في دعوى العيب لو شرطنا قيام العيب للحال لاستماع الخصومة يتوسل المشتري إلى إحياء حقه؛ لأن العيب إذا كان مما يعاين ويشاهد أمكن إثباته بالتعرف عن آثاره، وإن لم يعرف بالآثار أمكن التعرف عنه بالرجوع إلى الأطباء والقوابل (٥) " كذا في الفوائد الظهيرية (٦).


(١) "أو" في (ب).
(٢) "والعيب" في (ب).
(٣) هذه الجملة تندرج تحت قاعدة "الأصل براءة الذمة" وهي مأخوذة من الحديث الشريف وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه». قال ابن نجيم: "ولذا لم يقبل في شغلها شاهد واحد.؛ ولذا كان القول قول المدعى عليه لموافقته الأصل، والبينة على المدعي لدعوة ما خالف الأصل". الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: ٥٠)، موسوعة القواعد الفقهية (١/ ٢/ ١٠٨).
(٤) "يتوصل" في (ب).
(٥) القوابل جمع قابلة، وهي التي تتلقى الوالد عند ولادة المرأة، يقال: قبلت القابلة الولد -بكسر الباء- تقبله -بفتحها- قبالة -بكسر القاف-. قال الجوهري: ويقال للقابلة أيضاً: قبيل وقبول. تحرير ألفاظ التنبيه (ص: ٢٤٥).
(٦) العناية شرح الهداية (٦/ ٣٨١).