للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: هذا الذي ذكرته (١) وهو أن عدم شيوع الفساد في الكل بسبب ضعف الفساد، ولكونه مجتهداً منقوض بمسألة ذكرها في المبسوط عند ذكر مسائل السلم "وهي أن الرجل إذا سلم قوهية (٢) في قوهية ومروية فإنه باطل في الكل على قول أبي حنيفة رحمه الله - وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - يصح، كما لو أسلم حنطة في شعير وزيت كان باطلاً في الكل عند أبي حنيفة - رحمه الله -، وعندهما يجوز في حصة الزيت، ثم إن فساد العقد بسبب الجنسية مجتهد فيه، وليس بمجمع عليه؛ لأنه لو أسلم ثوباً هروياً في ثوب هروي يجوز عند الشافعي، وكذلك يجوز إسلام القوهي في القوهي، ومع ذلك تعدى فساد ذلك إلى المقرون به، وهو إسلام القوهى في المروي مع كونه مجتهداً فيه، علم أن التعليل في هذه المسألة في عدم الشيوع في الكل؛ بأن الفساد في المشتراه ضعيف لكونه مجتهداً فيه ليس بمستقيم.

قلت: نعم كذلك، فإن الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي - رحمه الله - استضعف ذلك التعليل في المبسوط في الباب الأول من كتاب البيوع، وقال بعد ذكر إسلام القوهية في القوهية والمروية، وبهذا يتبين أن الطريق ما قلنا في تعليل قول أبي حنيفة -رضي الله عنه- في مسألة إسلام الحنطة في الشعير والزيت بأن العلة المفسدة للعقد قد وجدت في الكل، أما في حصة الشعير فظاهر، وفي حصة الزيت فقد جعل قبول العقد في الشعير شرطاً في قبول العقد في الزيت؛ لأن من جمع بين الشيئين في العقد الواحد فإنه يكون شارطاً (٣) عليه قبول العقد في كل واحد منهما، ولهذا لو قبل العقد في أحدهما دون الآخر لا يجوز، وهذا شرط فاسد، والسّلم بالشرط الفاسد يفسد، بخلاف بيع القن والمدبر؛ لأن العقد في المدبر ليس بفاسد، ولهذا لو أجاز القاضي بيعه جاز" (٤).

ثم ذكر مسألة [إسلام القوهية في] (٥) القوهية والمروية فقال: ولهذا تبين أن الطريق ما قلنا دون ما قاله بعض مشائخنا لأبي حنيفة - رحمه الله -: إن الفساد إذا كان قويًّا مجمعاً عليه تمكن في البعض تعدى إلى ما بقي، فإن فساد العقد بسبب الجنسية غير مجمع عليه، وقد سوَّى بين الفصلين -أي فصل إسلام الحنطة وفصل إسلام القوهية على ما ذكرنا-.


(١) "ذكره" في (ب).
(٢) القوهي: ضرب من الثياب بيض منسوبة إلى قوهيسان. تهذيب اللغة (٦/ ١٨٢)، الصحاح (٦/ ٢٢٤٦)، مختار الصحاح (ص: ٢٦٣)، المعجم الوسيط (٢/ ٧٦٨).
(٣) "شرطا" في (ب).
(٤) المبسوط للسرخسي (١٢/ ١٨٢).
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).