للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خرج الجواب عن شبهة ترد على سؤر الجنب بأن يقال: ينبغي أن يكون سؤر الجنب نجسًا على قول أبي يوسف -رحمه الله- لوجود سقوط الفرض عن فمه لشربه، إلا أن الجواب ما ذكره شيخ الإسلام من مكان الضرورة.

وأما سؤر الكافر فطاهر أيضًا عندنا، «وبعض أصحاب الظواهر يكرهون ذلك لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: ٢٨]، ولكنا نقول: المراد [خبث] (١) الاعتقاد بدليل ما روي أن النبي-عليه السلام- أنزل وفد ثقيف في المسجد (٢) وكانوا مشركين، ولو كان عين المشرك نجسًا لما أنزلهم في المسجد»، كذا في «المبسوط» (٣).

(وَسُؤْرُ الْكَلْبِ نَجِسٌ) وَيُغْسَلُ الإنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ ثَلَاثًا لِقَوْلِهِ -عَلَيْه الصَّلاة والسَّلام-: «يُغْسَلُ الإنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلَاثًا» وَلِسَانُهُ يُلَاقِي الْمَاءَ دُونَ الإنَاءِ، فَلَمَّا تَنَجَّسَ الإنَاءُ فَالْمَاءُ أَوْلَى، وَهَذَا يُفِيدُ النَّجَاسَةَ وَالْعَدَدَ فِي الْغَسْلِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ -رحِمَهُ الله- فِي اشْتِرَاطِ السَّبْعِ، وَلأنَّ مَا يُصِيبُهُ بَوْلُهُ يَطْهُرُ بِالثَّلَاثِ، فَمَا يُصِيبُهُ سُؤْرُهُ وَهُوَ دُونَهُ أَوْلَى.

-قوله: (فلما تنجس الإناء فالماء أولى) فكانت نجاسة سؤر الكلب [حكمًا] (٤) ثابتًا بدلالة الإجماع؛ لأن الإجماع لما انعقد على وجوب غسل الإناء بولوغه، ولهذا الإجماع دلالة على نجاسة الماء؛ لأن لسان الكلب لم يلاق الإناء وإنما لاقى الماء، ولما ورد الشرع تنجس الإناء مع أن لسان الكلب لم يلاقٍ الإناء فلأن يرد تنجس الماء ولسان الكلب لاقاه كان أولى.

فإن قلت: قوله-عليه السلام-: «يَغْسِل الإنَاء مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَلاثًا» (٥) جاز أن يكون المراد به لحسه [الإناء] (٦) ثلاثًا (٧)، فحينئذٍ كان لسانه ملاقيًا للإناء فلا يتم هذا/ ١٥/ أ/ الاستدلال الثابت بالأولوية.

قلت: الكلام على حقيقته ما لم يقم الدليل على مجازه فإن حقيقة الولوغ واقعة على [سؤر] (٨) الكلب المائعات بأطراف لسانه، ذكره في «الصحاح» (٩)، وفي «تاج المصادر»: [الولوغ] (١٠) [خوز وآب خور دن سباع بسر زبان] (١١) من حد منع، فكان محمولاً على حقيقة الولوغ وهي الشرب فيتم الاستدلال.


(١) في (أ): «من حيث» والتصويب من (ب) ومن المبسوط.
(٢) أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (١/ ٤١٤) باب المشرك يدخل المسجد وابن أبي شيبة في مصنفه (٢/ ٢٦٠) في الكفار يدخلون المسجد، وأحمد في مسنده (٢٩/ ٤٢٨)، وأبو داود في سننه (٣/ ١٢٦) باب ما جاء في خبر الطائف، وابن خزيمة في صحيحه (٢/ ٢٨٥) وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (٩/ ٣٠٨) برقم (٤٣١٩).
(٣) المبسوط للسرخسي (١/ ٤٧)، وانظر: المحيط (١/ ١٢٤).
(٤) ساقط من (ب).
(٥) الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِى إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، إحْدَاهُنَّ بالتُّراب». رواه البخاري في صحيحه (١/ ٣٣٠) كتاب الوضوء- باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، ومسلم في صحيحه (١/ ٢٣٤) -كتاب الطه ارة-باب حكم ولوغ الكلب-.
(٦) ساقط من (أ) والتثبيت من (ب).
(٧) ساقط من (ب).
(٨) في (أ): «شرب» والتصويب من (ب).
(٩) الصحاح (٤/ ١٣٢٩) مادة [ولغ].
(١٠) ساقطة من (ب).
(١١) ومعناها: ولوغ الكلب بأطراف لسانه. انظر: المعاني لكل رسم معنى قاموس عربي فارسي على الشبكة العنكبوتية.