للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم إنما جعلنا (١) هكذا، وهو أنَّا جعلناها فسخًا في حق المتعاقدين وبيعًا في حق غيرهما عملًا بلفظ الإقالة ومعناها؛ لأن الإقالة لفظًا ينبئ عن الفسخ (٢) والرفع على ما ذكر في الكتاب (٣)، وهي في المعنى مبادلة المال بالمال بالتراضي وهو حدُ البيع فاعتبرنا اللفظ في حق المتعاقدين واعتبرنا المعنى في حق غير المتعاقدين عملًا بالشبهين (٤).

وإنما لم يعكس بأن يعتبر اللفظ في حق غيرهما والمعنى في حقهما؛ لأنه حينئذ يلزم ترك العمل بالمعنى في حق البيع؛ وذلك لأن اللفظ قائم بالمتعاقدين، واللفظ لفظ الفسخ، فلما جعل فسخًا في غير المتعاقدين [مع أن اللفظ غير قائم بغير المتعاقدين] (٥) فلأن (٦) يجعل فسخًا في حقهما (٧) وقد نَوَياه بالطريق الأولى، و (٨) لأَنَّا لما اعتبرنا جانبَ اللفظِ في حقِّ المتعاقدَيْن لقيام اللفظ بهما، تَعيَّن العملُ بالمعنى في حقِّ غيرهما لا محالة؛ للعمل بالشبهين (٩).

إلا أن لا يمكن جَعْلُه فسخًا فيبطل، بأن ولدت البيعة (١٠) ولدًا بعد القبض؛ لأن الزيادة بعد القبض إذا كانت منفصلة فالإقالة باطلة عند أبي حنيفة (١١) -رحمه الله-؛ لأنه تعذر تصحيحها فسخًا بسبب الزيادة؛ لأن الزيادة المنفصلة مانعة من فسخ العقد حقًا للشرع، وأبو حنيفة -رحمه الله- لا يصحح الإقالة إلا بطريق الفسخ (١٢).


(١) في (ت): جعلناها.
(٢) الفسخ لغةً: بمعنى النقض والبطلان والتفرقة. يُنظر: المصباح المنير لأحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس، الناشر: المكتبة العلمية - بيروت (٢/ ٤٧٢)، لسان العرب (٣/ ٤٥).
والفسخ اصطلاحًا: حل ارتباط العقد، أو هو ارتفاع حكم العقد من الأصل كأن لم يكن، فتستعمل كلمة الفسخ أحيانًا بمعنى رفع العقد. ينظر: (الأشباه والنظائر لابن نجيم المصري، تحقيق: الشيخ زكريا عميرات، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، ١٤١٩ هـ - ١٩٩٩ م ص ٨٣٣).
(٣) ينظر: "فتح القدير" لابن الهمام (٦/ ٤٨٨)، وإطلاق الكتاب عند فقهاء الحنفية ينصرف إلى مختصر القدوري.
(٤) ينظر: "مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر" لشيخي زاده، (٢/ ٧٢).
(٥) ما بين المعكوفين سقط من الأصل، وأثبته من (ت).
(٦) في (ت): كان أولى.
(٧) في (ت): حق المتعاقدين.
(٨) في (ت): أو.
(٩) ينظر: "الجوهر النيرة" لأبي بكر علي بن محمد الزبيدي، المطبعة الخيرية، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٣٢٢ هـ (١/ ٢٠٨).
(١٠) في (ت): المبيعة.
(١١) أَبُو حَنِيْفَةَ النُّعْمَانُ بنُ ثَابِتِ التَّيْمِيُّ، وُلدَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ، فِي حَيَاةِ صِغَارِ الصَّحَابَةِ. وَعُنِيَ بِطَلَبِ الآثَارِ، وَارْتَحَلَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الفِقْهُ وَالتَّدْقِيْقُ فِي الرَّأْيِ وَغوَامِضِهِ، فَإِلَيْهِ المُنْتَهَى، وَالنَّاسُ عَلَيْهِ عِيَالٌ فِي ذَلِكَ. تُوُفِّيَ: فِي سَنَةِ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، وَلَهُ سَبْعُوْنَ سَنَةً. سير أعلام النبلاء لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، المحقق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، ١٤٠٥ هـ/ ١٩٨٥ م (٦/ ٤٣٠).
(١٢) ينظر: "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" لأبي المعالي برهان الدين محمود بن أحمد بن عمر بن مازه، تحقيق: عبد الكريم سامي الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢٤ هـ، ٢٠٠٤ م، (٧/ ٤٥).