للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أنهم لو شهدوا على رجل بالطلاق قبل الدخول ثم رجعوا يضمنون نصف المهر (١)؛ لتأكد ما كان على شرف السقوط، فإذا (٢) اعتبر التأكيد إيجابًا يصير البائع في مسألتنا مشتريًا بالعقد الثاني ثوباً وخمسة دراهم بعشرة، فيكون الخمسة بإزاء الخمسة، ويبقى الثوب بخمسة دراهم فيبيعه مرابحة على خمسة (٣).

ولهذا لم يجز المرابحة فيما أخذ بالصلح وهو ما ذكرنا صورته وهي أن يكون لرجل على آخر عشرة دراهم فصالحه منها على ثوب، لا يبيع الثوب مرابحة على عشرة؛ لأن الصلح مبناه على التجوز، ولو وجد الحط حقيقة لا يبيع مرابحة، فكذا إذا تمكنت الشبهة، فثبت (٤) أن الشبهة ملحقة (٥) بالحقيقة في بيع المرابحة، وكذلك في مسألة شرى شيء بثمن مؤجل، وشرى ثوبين مع عدم جواز بيع أحدهما مرابحة، وقد ذكرنا منهما في هذا الباب.

فيصير كأنه اشترى (٦) خمسة وثوبًا بعشرة فيطرح خمسة، فلذلك (٧) يبيعه مرابحة بخمسة، وهذا في (الصورة التي) (٨) باعه بخمس (٩) عشر.

فإن قيل: لو كان كذلك ينبغي أن لا يجوز الشرى بالعشرة فيما إذا باعه بالعشرين؛ لأنه حينئذ على هذا التقدير يصير في الشرى الثاني كأنه اشترى ثوبًا وعشرة بعشرة، فكان (١٠) فيه شبهة الربا، وهي حصول الثوب بلا عوض.

قلنا: للتأكيد شبهة الإيجاب في حق [الإيجاب] (١١) العباد احترازًا عن الخيانة (١٢) على ما ذكرنا لا (١٣) في حق الشرع، وشرعية جواز المرابحة لمعنى راجع إلى العباد، فيؤثر التأكيد في المرابحة، وأما جواز البيع وعدمه في شبهة الربا فحق (١٤) الشرع، فلا يكون للتأكيد فيه شبهة الإيجاب، كذا نقل من فوائد مولانا حميد الدين رحمه الله (١٥).


(١) المهر في اللغة: صداق المرأة، وفي الاصطلاح: المال يجب في عقد النكاح على الزوج في مقابلة منافع البضع، إما بالتسمية أو بالعقد. ينظر: العناية شرح الهداية (٣/ ٣١٦).
(٢) في (ع): وإذا.
(٣) المبسوط (١٧/ ٤).
(٤) في (ع): قلت.
(٥) في (ع): يلحقه.
(٦) في (ع): يشري.
(٧) في (ع): فكذلك.
(٨) في (ع): الثاني.
(٩) في (ع): بخمسة.
(١٠) في (ع): كان.
(١١) ما بين المعقوفين زيادة من (ع).
(١٢) في (ع): الجناية.
(١٣) في (ع): لأن.
(١٤) في (ع): حق.
(١٥) علي بن علي، حميد الدين الضرير الرامشي: من فقهاء الحنفية، من أهل بخارى، انتهت إليه رياسة العلم في عصره بما وراء النهر، له تصانيف، منها " الفوائد " الحاشية على الهداية في الفقه، و " شرح المنظومة النسفية " و " شرح الجامع الكبير " و " المنافع في فوائد النافع " حاشية على كتاب " الفقه النافع " للسمرقندي. الجواهر المضية (١/ ٣٧٣)، الأعلام (٤/ ٣٣٣).