للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم صورة ما أحاله إلى باب السلم بقوله: على ما نبين (١) في باب السلم، هي (٢) قوله في باب السلم: ومن أسلم في كر (٣) فلما حل الأجل اشترى المسلم إليه من رجل كرًا وأمر رب السلم بقبضه، لم يكن قبضًا، وإن أمره أن يقبضه ثم بقبضه لنفسه فاكتاله له ثم اكتاله لنفسه جاز؛ لأنه اجتمعت الصفقتان بشرط الكيل، فلا بد من الكيل مرتين، (في هذا) (٤) هو محمل الحديث.

ولو اشترى المعدود عدّا فهو كالمذروع فيما يروى عنهما، أي عن أبي يوسف ومحمد -رحمهما الله- (٥).

وحاصل ذلك أن الأموال في هذا النوع من التقدير ثلاث (٦) مقدرات، مثل: الكيلي والوزني، وعدديات (٧) متقاربة، ومذروعات (٨)، فالتصرف في ذلك كله قبل القبض باطل، وإن اشتراه (٩) بشرط كيل أو وزن أو عدد أو ذرع وقبضه، فلا يجوز التصرف في المكيل والموزون قبل الكيل والوزن؛ لما روي عن النبي -عليه السلام- «أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه صاعان (١٠) … الحديث» (١١)، والنهي عن البيع يدل على الفساد إذا كان لمعنى في البيع، وهو جهالة المبيع، وفيه ذلك.

وأما في المذروعات فإن البيع جائز بعد القبض قبل الذرع، سواء اشترى مجازفة أو على أنّه عشرة أذرع؛ لأن المشتري ملك الثوب المشار إليه، وإن كان ذرعانه أكثر؛ لأن الذرع صفة، ألا ترى أنّه لو ذرع فازداد لم يرد شيئًا، ولو انتقص لم يرجع بشيء فلم يكن في ذلك جهالة.

وأما في العدديات (١٢) فإنه إذا اشترى المعدود مجازفة وقبضه جاز له التصرف قبل العد؛ لما ذكرنا في الكيلي والوزني، وإن اشتراه على أنه كذا وقبضه فباعه أو تصرف فيه تصرفًا آخر قبل العد لم يذكر هذا في الكتاب.

وروي عن أبي حنيفة -رضي الله عنه- أنه لا يجوز، وهو اختيار الكرخي (١٣)، وعنه في رواية أخرى أنّه يجوز، وهو قول أبي يوسف ومحمد، لهما أنه كما يجوز بيع الواحد بالاثنين في المذروعات يجوز في العدديات (١٤)، ولا يجوز في المكيلات وكأن العددي ملحق بالمذروع.


(١) في (ع): يبين.
(٢) في (ع): وهي.
(٣) الكُرّ: مكيالٌ لأهل العراق، تَسَع فيه اثنا عشر وَسْقا. شمس العلوم (٩/ ٥٧١١).
(٤) في (ع): وهذا.
(٥) البناية شرح الهداية (٨/ ٢٥٣).
(٦) في (ع): ثلاثة.
(٧) في (ع): عدديات.
(٨) الذِّراعُ: مَا يُذْرَعُ بِهِ. ذَرَع الثَّوْبَ وَغَيْرَهُ يَذْرَعُه ذَرْعاً: قدَّره بالذِّراع، فَهُوَ ذارِعٌ، وَهُوَ مَذْرُوع، وذَرْعُ كُلِّ شَيْءٍ: قَدْرُه مِنْ ذَلِكَ. والتذَرُّع أَيضاً: تَقْدِير الشَّيْءِ بذِراع الْيَدِ. لسان العرب (٨/ ٩٤).
(٩) في (ع): اشترى.
(١٠) في (ت): الصاعان.
(١١) تقدم.
(١٢) في (ت): المعدودات.
(١٣) عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دلهم أبو الحسن الكرخي، انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حَنِيفَةَ، وكان كثير الصوم والصلاة صبورًا على الفقر والحاجة مولده سنة ستين ومائتين وتوفي ليلة النصف من شعبان سنة أربعين وثلاث مائة. تاريخ الإسلام (١٥/ ٤٢٦)، الجواهر المضية (١/ ٣٣٧).
(١٤) في (ت): المعدودات.