للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولأبي حنيفة -رضي الله عنه- أن التصرف في المكيل والموزون إنما كان حرامًا قبل الكيل؛ لاختلاط المبيع بغير المبيع، والاختلاط ههنا موجود (١).

ألا ترى أن من اشترى جوازًا (٢) على أنها ألف، فوجدها أكثر لا نسلم (٣) له الزيادة، ولو كان أقل من ألف يسترد حصة النقصان من البائع، فإذا اشتركا في العلة اشتركا في الحكم، كذا ذكره الإمام فخر الإسلام وقاضي خان -رحمهما الله-.

والتصرف في الثمن قبل القبض جائز، وكذلك قبل الكيل والوزن فيما يكال ويوزن، سواء كان ذلك الثمن مما يتعين أو لا يتعين من المكيلات والموزونات، حتى أنه لو باع شيئًا بمكيل أو موزون على أنه كر وقبضه من غير كيل جاز له أن يتصرف فيه قبل الكيل؛ لأن التصرف في الثمن قبل القبض جائز، فقبل الكيل أولى.

وكذا (٤) إذا ملك مكيلًا أو موزونًا بهبة أو ميراث أو وصية جاز له التصرف قبل القبض على ما ذكرنا.

وذكر في الإيضاح (٥): ويجوز التصرف في الأثمان قبل القبض.

وقال الشافعي: إن كانت عينًا لم يجز التصرف فيه؛ لأنه حال التعيين الثمن والمبيع سواء عنده؛ لما أن الأثمان يتعين (٦) بالتعيين في العقود والفسوخ عنده، وإن لم يكن (٧) معينة لم يجز أيضًا في أحد القولين؛ لأنه يقول: الثمن إذا لم يتعين فالمستحق بالعقد ما يعيّنه في الثاني من الزمان، والاستدلال [والاستبدال] يفوت هذا المعنى فلا يجوز كالمسلم فيه (٨).

ونحن نقول بأن الثمن ما وجب في الذمة، والقبض (٩) لا يرد عليه حقيقة، فإنما (١٠) طريق قبضه أن يقبض مثله عينًا فيصير مضمونًا عليه فيلتقيان قصاصًا، وإذا كان طريق القبض هذا لم يقع التفرقة بين أن يكون المقبوض من جنسه أو من خلاف جنسه؛ لأنه مضمون بمعناه، والمقاصة يقع (١١) بالمعنى.

وقد روي عن ابن عمر (١٢) -رضي الله عنهما- أنه قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع (١٣)، فنأخذ مكان الدراهم الدنانير ومكان الدنانير الدراهم، فكان (١٤) يجوّزه رسول الله -عليه السلام- (١٥).


(١) المبسوط (١٢/ ١٢٩).
(٢) في (ت): جوزًا.
(٣) في (ت): تسلم.
(٤) في (ت): وكذلك.
(٥) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٥/ ٢٣٤).
(٦) في (ت): تتعين.
(٧) في (ت): تكن.
(٨) فتاوى ابن الصلاح (١/ ٢٨٤).
(٩) في (ت): فالقبض.
(١٠) في (ت): وإنما.
(١١) في (ت): تقع.
(١٢) عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوى أمه زينب بنت مظعون ولد سنة ثلاث من المبعث النبوي فيما جزم به الزبير بن بكار قال هاجر وهو ابن عشر سنين وكذا قال الواقدي حيث قال مات سنة أربع وثمانين. الإصابة في تمييز الصحابة لأبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى - ١٤١٥ هـ، (٤/ ١٨١).
(١٣) البقيع بفتح أوّله، وكسر ثانيه، وعين مهملة: هو بقيع الغرقد، مقبرة المدينة. قال الأصمعي: قطعت غرقدات في هذا الموضع، حين دفن فيه عثمان بن مظعون، فسمّى بقيع الغرقد لهذا. وقال الخليل: البقيع من الأرض: موضع فيه أروم شجر، وبه سمّى بقيع الغرقد، والغرقد: شجر كان ينبت هناك. معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي، الناشر: عالم الكتب، بيروت، الطبعة: الثالثة، ١٤٠٣ هـ، (١/ ٢٦٥).
(١٤) في (ت): وكان.
(١٥) أخرجه أبو داود في "سننه"، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا - بيروت، في كتاب البيوع- باب في اقتناء الذهب من الورق (٣٣٥٤)، والترمذي "سننه"، تحقيق وتعليق: أحمد شاكر، الناشر: البابي الحلبي - مصر، الطبعة: الثانية، ١٣٩٥ هـ - ١٩٧٥ م، في كتاب البيوع- باب ما جاء في الصرف (١٢٤٢)، والنسائي في "سننه الصغرى"، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب، الطبعة: الثانية، ١٤٠٦ - ١٩٨٦، في كتاب البيوع- باب بيع الفضة بالذهب وبيع الذهب بالفضة (٤٥٨٢)، وابن ماجة "سننه"، تحقيق: محمد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء الكتب العربية - البابي الحلبي، في كتاب التجارات- باب اقتناء الذهب من الورق والورق من الذهب (٢٢٦٢)، وضعفه الألباني.