للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذكر في المبسوط (١): وكل شيء وقع عليه كيل (٢) الرطل فهو موزون، ثم قال: يريد به الإدهان (٣) ونحوها؛ لأن الرطل إنما يعدل بالوزن، إلا أنه يشق عليهم وزن الدهن بالأمنا والصنجات في كل وقت؛ لأنه لا يستمسك إلا في وعاء، وفي وزن كل وعاء نوع خرج، فاتخذ الرطل لذلك تيسيرًا، فعرفنا أن كيل الرطل فهو موزون، فيجوز السلم فيه بذكر الوزن.

(ماء وهاء هاء يوزن) (٤)، هاء بمعنى خذ، ومنه قوله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (١٩)} [الحاقة: ١٩]، أي كل واحد من المتعاقدين يقول لصاحبه: هاء، فيتقابضان والقصر خطأ، كذا في المغرب (٥).

وما سواه، أي وما سوى جنس الأثمان مما فيه الربا كالحنطة بالحنطة، خلافاً للشافعي -رحمه الله- في بيع الطعام (٦)، ذكر لفظ الطعام مطلقًا؛ ليتناول كل مطعوم، سواء اختلف الجنس أو اتحد بأن باع كر حنطة بكر حنطة، أو كر حنطة بكر شعير أو تمر، فافترقا من غير قبض، فإنه يجوز العقد عندنا، وعند الشافعي: لا يجوز، كذا ذكره الإمام الزوزني (٧) -رحمه الله- في تعليقاته.

ولنا أنه مبيع متعين، فلا يشترط فيه القبض كالثوب.

فإن قلت: لو قال الخصم: أجمعنا على اشتراط القبض في البدلين في بيع الصرف؛ استدلالًا بقوله -عليه السلام-: «يدًا بيد» (٨)، ثم أنتم تستدلون بهذا اللفظ بعينه على اشتراط التعيين في بيع الطعام بالطعام، واللفظ الواحد كيف يفيد حكمين مختلفين في محلين [مختلفين]، (فلما أجمعنا في معناه) (٩) في بيع الأثمان على أن المراد منه القبض، يجب أن يكون في حق الطعام كذلك، وإلا يلزم تعميم المشترك في موضع الإثبات، أو الجمع بين الحقيقة والجاز (١٠)، وكلاهما منتف، فينتفي إرادة التعيين منه لذلك ضرورة.


(١) المبسوط (١٢/ ١٧٣).
(٢) في (ت): المكيل.
(٣) الإدهان: من الدُّهْن، ويقال دَهَنْتُه أَدْهُنُه دَهْنا، والدِّهان: ما يُدْهَن به، والإِدْهانُ: في الأصل جَعْلُ نحو الأَديم مدهوناً بشيء ما من الدّهن. معجم مقاييس اللغة (٢/ ٣٠٨)، تاج العروس (٣٥/ ٤١).
(٤) في (ت): هاؤها بوزن.
(٥) المغرب (١/ ٤٩٩).
(٦) انظر: الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، لأبي الحسن بالماوردي، المحقق: علي معوض، عادل عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، ١٤١٩ هـ -١٩٩٩ م (٥/ ٨٢).
(٧) الزوزني: هو محمد بن محمود بن محمد تاج الدين أبو المفاخر بن أبي القاسم السديدي الزوزني. من آثاره: نصاب الذرائع في فروع الفقه الحنفي، وشرح منظومة عمر النسفي في الخلاف وسماه ملتقى البحار من منتقى الأخبار. انظر: تاج التراجم (٢/ ٨٨)، معجم المؤلفين (١٢/ ٦).
(٨) أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (١٥٨٧)، من حديث عبادة رضي الله عنه.
(٩) في (ت): فلما اجتمعا.
(١٠) في (ت): والمجاز.