للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: (١) لم يختلف حكمه عندنا، بل المراد في كلتا الصورتين التعيين، إلا أن تعيين كل موضع يختلف بحسب حاله، ففي الدراهم والدنانير التعيين لا يكون إلا بالقبض؛ (لأنهما) (٢) لا يتعينان في العقود والفسوخ، فكان تعيينهما لم يكن إلا بالقبض، فكان القبض هناك من ضرورة وجوب التعيين، لا أن يكون القبض مرارًا (٣) هناك أيضًا، وأما الطعام فهو مما يتعين بالتعيين ثمنًا كان أو مثمنًا فلم يحتج لذلك إلى أن يتوقف تعيينه على (٤) وجود القبض فلم يلزم حينئذ بما قلنا تعميم المشترك، ولا الجمع بين الحقيقة والمجاز.

فإن قلت: كونه مما يتعين بالتعيين لا يسقط اشتراط التقابض، ألا ترى أن من باع إناء فضة بإناء فضة أو بإناء ذهب بشرط (٥) التقابض، مع أن إناء الفضة أو [إناء] (٦) الذهب مما يتعين بالتعيين -على ما يجيء في كتاب الصرف إن شاء الله تعالى- فكان التعليل في إسقاط التقابض في بيع الطعام بالطعام بأنهما مما يتعين بالتعيين فلا يحتاج إلى القبض تعليلًا منقوضًا به.

قلت: ليس بمنقوض، بل هو مستقيم غاية الاستقامة، وذلك لأن إناء فضة [بإناء فضة] (٧) أو إناء ذهب (أن الحق) (٨) بما يتعين بالتعيين بسبب الصنعة، لكن لم يسقط عنه شبهة عدم التعيين؛ لكونه ثمنًا خلقه (٩) فيشترط القبض؛ اعتبارًا للشبهة في الربا.

بخلاف الطعام فإنه ما خلق للثمنية، فلا يكون [فيه] (١٠) شبهة عدم التعيين، فلما تعين بالتعيين من غير شبهة إغنانًا عن التقابض فيهما.

وإلى ما ذكرنا أولًا أن وجوب القبض في بدل الصرف للتعيين أشار في المبسوط (١١)، وقال: وهذا بخلاف الصرف، فإن هناك لا يشترط القبض الذي هو حكم العقد، وإنما يشترط التعيين؛ لأن التعيين من شروط العقد؛ بدليل نهي النبي -عليه السلام- (١٢) عن الكالئ بالكالي (١٣)، والنقود لا يتعين (١٤) في العقود، فكان اشتراط القبض للتعيين، وليس أحد البدلين والصرف أولى من الآخر، (بهذا فشرطنا) (١٥) القبض فيهما للتعيين، فكان المراد من قوله -عليه السلام-: «يدًا بيد» (١٦) التعيين؛ لأن التعيين إنما يكون بالإشارة باليد، كما أن القبض يكون باليد، فصلح ذكر اليد كناية (١٧) عنهما، أي عن القبض وعن التعيين، لكن لو كان مراده القبض لقال: يد (١٨) من يد، فلما قال: يدًا بيد عرفنا أنه بمنزلة قوله عينًا بعين.


(١) في (ت): قلنا.
(٢) في (ت): إذ هما.
(٣) في (ت): مرادًا.
(٤) في (ت): إلى.
(٥) في (ت): يشترط.
(٦) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٧) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(٨) في (ت): إن ألحق.
(٩) في (ت): له.
(١٠) ما بين المعقوفين زيادة من (ت).
(١١) المبسوط (١٤/ ١٧).
(١٢) في (ت): صلى الله عليه وسلم.
(١٣) أخرجه الحاكم (٢٣٤٢)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وقال الذهبي: على شرط مسلم.
(١٤) في (ت): تتعين.
(١٥) في (ت): فلهذا شرطنا.
(١٦) أخرجه مسلم في كتاب المساقاة - باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدًا (١٥٨٧)، من حديث عبادة رضي الله عنه.
(١٧) الكناية في اللغة: أن يتكلم بشيء يستدل به على المكنى عنه كالرفث والغائط. والكناية في الاصطلاح: فهي كلام استتر المراد منه بالاستعمال وإن كان معناه ظاهرًا في اللغة، سواء أكان المراد به الحقيقة أم المجاز. المصباح المنير (٢/ ٥٤٢)، كتاب التعريفات لعلي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني، المحقق: ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت -لبنان، الطبعة: الأولى ١٤٠٣ هـ -١٩٨٣ م، (١/ ١٨٧).
(١٨) في (ت): يدًا.