للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: لو كان الرطب تمرًا ينبغي أن يحنث (١) فيما إذا حلف لا يأكل رطبًا فأكل تمرًا.

قلنا: مبنى الأيمان على العرف، وفي العرف الرطب غير التمر.

وأما الجواب عن بيع الحنطة بالدقيق: فإن بالطحن يفرق الأجزاء ولا يفوت (جزء شاغل للكيل) (٢)، فيتبين بالتفاوت بينهما بعد الطحن لم (٣) يكونا متساويين عند العقد.

وكذلك المقلية بغير المقلية، فإن بالقلي لا يتفاوت (جزء شاغل للكيل) (٤)، وإنما ينعدم اللطافة التي كانت الحنطة بها مبنية، (ولما ظهر التفاوت بعد) (٥) القلي عرفنا أن هذا التفاوت كان موجودًا عند العقد.

ثم صاحب الشرع أسقط اعتبار التفاوت في الجودة بقوله: ثم جيدها ورديئها سواء (٦)، واعتبر التفاوت بين النقد والنسيئة، حتى شرط اليد باليد، وصفة الجودة لا تكون حادثة بصنع العباد، والتفاوت بين النقد والنسيئة حادث بصنع العباد (٧) وهو اشتراط الأجل، فصار هذا أصلًا أن كل تفاوت يبتنى (٨) على صنع العباد، فلذلك مفسد للعقد، وفي المقلية بغير المقلية والحنطة بالدقيق التفاوت بهذه الصفة، وكل تفاوت يبتنى (٩) على ما هو ثابت بأصل الخلقة من غير صنع العباد فهو ساقط الاعتبار، والتفاوت بين الرطب والثمن بهذه الصفة، فلا يكون معتبرًا كالتفاوت بين الجيد والرديء.

ثم تأويل الحديث الذي روياه وهو قوله -عليه السلام- لماذا إن صح قيل: كان السائل وصيًا ليتيم، فلم ير رسول الله -عليه السلام- في ذلك التصرف منفعة لليتيم باعتبار النقصان عند الحقوق، (١٠) فمنع الوصي منه على طريق الاشتقاق (١١) لا على طريق بيان فساد العقد.

وقيل: لا يجوز بالاتفاق، والفرق لأبي حنيفة -رحمه الله- بين بيع التمر بالرطب وبين بيع العنب بالزبيب على هذه الرواية هو أن النص ورد بإطلاق لفظ الثمن على الرطب في قوله: -عليه السلام- «أو كل تمر خيبر هكذا»، (١٢) أو (١٣) لم يرد مثل هذا بإطلاق اسم الزبيب على العنب فافترقا، والرطب بالرطب يجوز متماثلًا كيلًا عندنا، أي خلافًا للشافعي -رحمه الله- فإنه لا يجوّز ذلك، وكذلك الخلاف بيننا وبينه في بيع (الباقلي بالباقلي) (١٤)، كذا في المبسوط (١٥).


(١) في (ت): يختلف.
(٢) في (ت): جزئيًا على الكل.
(٣) في (ت): فلم.
(٤) في (ت): جزئيًا على الكل.
(٥) في (ت): ولما ظهرت بعد.
(٦) هذا اللفظ غير محفوظ، ولكن معناه في حديث بيع التمر الجمع بالجنيب الذي أخرجه البخاري في كتاب البيوع - باب إذا أراد بيع تمر بتمر (٢٢٠١)، ومسلم في كتاب المساقاة - باب بيع الطعام مثلًا بمثل (١٥٩٣) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٧) في (ت): العبد.
(٨) في (ت): يبنى.
(٩) في (ت): يبنى.
(١٠) في (ت): الجفاف.
(١١) في (ت): الإشفاق.
(١٢) أخرجه البخاري في كتاب البيوع - باب إذا أراد بيع تمر بتمر (٢٢٠١)، ومسلم في كتاب المساقاة - باب بيع الطعام مثلًا بمثل (١٥٩٣) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(١٣) في (ت): و.
(١٤) في (ت): الباقلاء بالباء.
(١٥) المبسوط (١٢/ ١٨٥).