للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروي عن عبد الله بن عباس أنه قال: «لا بَأس بالتَّوضِّي به» (١)، ولم يترجح أحد القولين على الآخر فأوجب ذلك إشكالاً فيه، ثم قال: ولكن هذا لا يقوى؛ لأن الاختلاف في طهارة الماء ونجاسته لا يوجب الإشكال كما في إناء متى [أخبر] (٢) عدل أنه طاهر وأخبر آخر أنه نجس فإن الماء لا يصير مشكلاً، وإن اختلفا في طهارة الماء ونجاسته وقد استوى الخبران [فكذا] (٣) ها هنا.

ومنهم من يقول: بأن الموجب للإشكال إشكال لحمه/ ١٦/ أ/ فإن اللعاب متولد من اللحم فيكون حكمه حكم اللحم ولحمه مشكل، فإنه في بعض الأخبار حرم أكله وفي بعضها أباح أكله فأوجب إشكالاً، فلما صار لحمه مشكلاً كان اللعاب بمنزلته، ثم قال: ولكن هذا لا يصح؛ لأنه لا إشكال في حرمة اللحم فإن لحمه حرام بلا إشكال؛ لأنه اجتمع ما يوجب حرمة أكله وما يوجب الإباحة فيرجح جانب الحرمة على الإباحة كما إذا أخبره عدل أن هذا اللحم ذبيحة مجوسي وأخبره آخر أنه ذبيحة مسلم وهما عدلان؛ فإنه لا يحل أكله بخلاف الماء إذا اختلف فيه اثنان أحدهما أخبر بنجاسته والآخر بطهارته، فإنه يحكم بطهارة الماء، ولا فرق بينهما من حيث المعنى فإنه في الموضعين جميعًا تعارض الخبران فيبقى ما كان ثابتًا قبل الخبر على ما كان، ففي الماء قبل الخبر إباحة [شرب الماء] (٤) وطهارته فلما تعارض الدليلان تساقطا بقي الماء طاهرًا كما كان في الأصل، وفي باب اللحم تساقط الدليلان أيضًا بالتعارض بقي ما كان ثابتًا قبل الذبح والثابت قبل الذبح حرمة الأكل؛ لأنه إنما يحل أكله فيما يؤكل لحمه بالذبح شرعًا وإذا لم يثبت السبب المبيح لوقوع التعارض في سبب الإباحة بقي حرامًا كما كان، وفي الحمار إنما تثبت حرمة الأكل بهذا الطريق؛ لأنه تعارض/ ١٦/ ب/ الدليل الموجب للحل والدليل الموجب للحرمة؛ لأنه إن كان مباح الأكل كان الذبح في محله فيوجب الإباحة، وإن كان غير مأكول اللحم كان الذبح في غير محله فلا يوجب الإباحة فقد وقع التعارض في السبب المبيح للأكل فلم يثبت فإذا لم يثبت شرط إباحة الأكل [للتعارض] (٥) بقي حرامًا؛ لأن الحرمة كانت هي الثابتة قبل الذبح، وإذا حرم أكل لحمه بلا إشكال يكون لعابه نجسًا بلا إشكال، [وإذا كان لعابه نجسًا بلا إشكال] (٦) وقد وقع في الماء فينجسه بلا إشكال إلا أنه لم يوجب نجاسة الماء لما فيه من الضرورة والبلوى فكان الأصح في التمسك بدليل الشك هو التردد في الضرورة وذلك لأن الحمار يربط في الدور والأفنية فيشرب من الأواني، وللضرورة والبلوى أثر في إسقاط النجاسة كما في الهرة والفأرة [إلا أن الضرورة في الحمار متقاعدة عن الضرورة في الهرة والفأرة] (٧)؛ لأنها تدخل مضايق [البيت] (٨) بخلاف الحمار، و [لو] (٩) لم تكن الضرورة ثابتة أصلاً كما في سؤر الكلب وسائر السباع لوجب الحكم بنجاسة سؤره بلا إشكال، ولو كانت الضرورة مثل ضرورة الهرة لوجب الحكم بإسقاط النجاسة وبقائه طاهرًا فثبتت الضرورة [مثل ضرورة الهرة لوجب الحكم بإسقاط النجاسة وبقائه طاهرًا فيثبت الضرورة] (١٠) من وجهٍ، ولم يثبت من وجه فقد استوى ما يوجب الطهارة والنجاسة فتساقطا للتعارض فوجب المصير إلى ما كان ثابتًا قبل التعارض والثابت قبله شيئان الطهارة في جانب الماء والنجاسة في جانب اللعاب؛ [فإن] (١١) اللعاب تولد من اللحم ولحمه نجس فكان اللعاب نجسًا وليس أحدهما بأولى من الآخر فبقي الأمر مشكلا نجسًا من وجهٍ طاهر من وجه فكان إشكال سؤره عند علمائنا بهذا الطريق؛ لا لإشكال لحمه ولا لاختلاف للصحابة في سؤره.


(١) أثر ابن عباس -رضي الله عنهما-، لم أجده، وورد في مصنف ابن أبي شيبة (١/ ٥٣) باب من قال لا بأس بسؤر الحمار، عن أبي الحُباب «أنَّ جَابر بن زيد كَان لا يَرى بَأساً بِسُؤر الحمَار» وعن أبي عامر، قال: «لا بَأس بسُؤر البَغل» وعن أبي جعفر، قال: لا بأس بسؤر كل دابة».
(٢) في (ب): «أخبره به».
(٣) في (ب): «فكذلك».
(٤) في (ب): «شربه».
(٥) ساقطة من (ب).
(٦) ساقطة من (ب).
(٧) ساقطة من (ب).
(٨) ساقطة من (ب).
(٩) ساقطة من (ب).
(١٠) ساقطة من (ب).
(١١) في (ب): «لأن».