للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: وبهذا التقرير يخرج الجواب عما يرد في هذه المسألة من الأسئلة:

أحدها: أن يقال: لما تعارضت الأدلة في إباحة السؤر وحرمته ينبغي أن يغلّب الحرمة إما لأن المحرم والمبيح إذا اجتمعا يغلب المحرم على المبيح احتياطًا (١)، وإما لأن في الدليل المحرم دلالة كونه ناسخًا؛ لأنا نقول: إنما يحصل ذلك إن لو كان الشك والتردد في الحرمة والحل باعتبار النصين؛ لأن النسخ إنما يجري في النص لا في الضرورة، وها هنا جاء الشك والتردد باعتبار الشك في الضرورة في أن الضرورة [فيه] (٢) متحققة من كل وجه [أو] (٣) لا ضرورة فيه على ما ذكرنا، وكذلك القول بالاحتياط إنما يكون في ترجيح الحرمة في غير هذا الموضع.

وأما ها هنا فالاحتياط في إثبات الشك ليجب استعماله؛ لأنا لو رجحنا جهة الحرمة [ها] (٤) هنا للاحتياط كان فيه ترك العمل بالاحتياط؛ لأنه حينئذٍ لا يجوز استعمال سؤر الحمار مع أن احتمال كونه مطهرًا باقٍ باعتبار الشك فكان متيممًا عند وجود الماء في أحد [الوجهين] (٥)، وذلك حرام فلا يكون عملاً بالاحتياط ولا بالمباح.

والثاني: أن يقال: لما وقع التعارض في السؤر وللماء خَلَفَ وجب أن يصار إلى الخلف ويسقط استعمال الماء كمن له إناءان أحدهما طاهر والآخر نجس فاشتبه الطاهر عليه فإنه يسقط استعمال الماء ويجب التيمم فكذا هنا.

قلنا: الماء فيما نحن فيه طاهر لما ذكرنا أن قضية الشك أن يبقى كل واحد من الأصول على الصفة التي كانت قبل التعارض ولم يزل الحدث؛ لأنه كان ثابتًا قبل هذا [فيبقى إلى أن يوجد المزيل بيقين] (٦)، فلما كان الماء طاهرًا [و] (٧) وقع الشك في طهوريته لا يسقط عنه استعماله بالشك بخلاف الإناءين؛ لأن أحدهما نجس يقينًا والآخر وإن كان طاهرًا يقينًا، لكن عجز عن استعماله لعدم علمه به، وله خلف فيصار إليه.

والثالث: هو أن يقال: التعارض في الماء لا يوجب شكًّا فيه كما إذا أخبره عدل بطهارة الماء وعدل آخر بنجاسته فإنه يتوضأ به من غير ضم التيمم إليه.


(١) هذه قاعدة فقهية: إذا اجتمع الحلال والحرام أو المبيح والمحرم غُلِّبَ جانب الحرام إحتياطًا].
أو [إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام]. انظر: المنثور في القواعد الفقهية (١/ ١٢٨)، المنهاج في علم القواعد الفقهية (١/ ١٢).
(٢) ساقطة من (ب).
(٣) في (ب): «إذا».
(٤) ساقطة من (ب).
(٥) في (ب): «القولين».
(٦) في (ب): [فينبغي أن يوجد المزيل بيقين].
(٧) ساقطة من (ب).